الأربعاء، أبريل ١٥، ٢٠٠٩

1 - الحضارة والأديان .. .تعريف الحضارة ...

....

1 -
يبدو أنه لايوجد تعريف واحد يجزم بما هي الحضارة. ومن الطبيعي أن نقول ونحن نتحدث عن ذلك أن تعريف الحضارة أمر منفصل تماما عن التعريفات المتعلقة بأشكال الحضارة. علي العموم كنتيجة يمكن أن نصل إليها دون خلاف أن الحضارة " أي حضارة لمجتمع ما " هي ما أتفق عليه بأنه نتاج الجهد البشري والإنساني (المادي والفكري) لذلك المجتمع خلال وقت محدد. مثال علي ذلك : يمكن القول بأن الفراعنة أنتجوا نظاما متقدما للري والبناء، وأن الفينيقيين أنتجوا نظاما مدهشا للنقل البحري وصناعة السفن. وكل ذلك يعد منتجات أو لنقل أشكالا لحضارات سادت لفترة من الوقت. لكن بالتأكيد - حتى ونحن نتحدث عن ذلك - لايمكن أن نقول أن البناء والعمارة والري أو النقل البحري يعني أنه الحضارة بالمطلق لتلك المجتمعات.

ثمة ملحوظة ثانية وهي تقع ضمن التعريف اللغوي لكلمة حضارة، وعلاقتها بالحضر، أو المدنية، مع التسليم بالفارق بين الحضر والمدنية. وعلي كل يمكن التقابل كما أسلفت بأن الحضارة هي منتج بشري وإنساني لمجموعة من الناس يعيشون في زمن معين ووقت محدد وفي بقعة محددة سواء كانت تلك المساحة تشكل نوعا من الحضر أو كانت هناك مدنية من نوع ما تميز تلك المساحة وناسها تحديدا وليس غيرهم.

ربما يمكنني القول بأن الحديث عن أشكال الحضارة، والخلاف النسبي بين المجموعات البشرية لكل منطقة أو مساحة يعيشون فوقها ولفترة من الزمن واحدة، يعد أسهل وأقرب للذهن والفكر بحيث يمكن أن نستخرج محددات وقيم تفرق بين جهد بشري وآخر أو بين حضارة وأخري.
وبطبيعة الحال فالعلاقة ستكون علاقة تصاعدية بين استخدام تلك المنتجات وسلوك الإنسان. لأوضح الأمر أكثر : يقولون أن الضرورة أو الحاجة أم الاختراع، وهذا هو مايحدث مع كل اختراع أو استكشاف يحدث بالغرب. خذ عندك مثلا " غسالة الملابس " حتى وصولها علي ماهي عليه الآن من غسالة مبرمجة، وليس علي السيدة أو الرجل سوي إلقاء الملابس بداخلها ووضع مساحيق التنظيف، واختيار برنامج التنظيف المطلوب، والباقي معروف فستقوم الغسالة بعمل كل شئ. مثل هذا الاختراع كان له ما يبرره وهو توفير الوقت والتقليل من الاعتماد علي الطاقة العضلية للإنسان المشغول بالإنتاج والعمل. ومعروف أن المرأة في أوربا وأمريكا تعد ضمن الطاقات البشرية العاملة والتي لا غني عنها للإنتاج.

ويمكن أن نضيف أن ماتمتعت به المرأة هناك من حقوق ومساواة كاملة بالرجل، إضافة للتقدم في الإنتاج وما يصاحبه من الحاجة الماسة لعنصر الوقت، بحيث أصبح الغرض من كثير الاختراعات هو توفير الوقت، وإضافة لمسة رفاهية أيضا للإنسان. وأيضا سهولة العمل والاستفادة بما يحقق الأساس الفكري ومن ثم العملي وهو توفير الوقت للإنسان المنتج، فضلا عن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة. لكل ذلك فليس غريبا أن تجد الرجل في أوربا وهو يقوم بغسل ملابس الأسرة باستخدام تلك التقنيات.

وبشكل عام تصبح أمور مثل: نظام العلاج والتعليم والممارسة السياسية، والإبداعية في الفن والفكر والثقافة، والعلاقة مع باقي الدول، والتقدم العلمي وشكل الحكم وما يتيحه من حريات للتعبير، وحرية الصحافة والإعلام عموما، وحرية القضاء .... الخ، وقبل كل ذلك قبوله بتبادل كرسي الحكم مع باقي الفرقاء السياسيين والذين يختلفون معه في النهج والأسلوب. وتلك عينة لمجموعة منتجات (حضارية) خاصة بتجمع بشري يعيش في رقعة حضرية ما وخلال وقت محدد. وما يشكل ذلك من علاقة تصاعدية بين الإنسان وذلك الرصيد التراكمي من تلك المنتجات.والتي تهدف للوصول لمزيد من الإنتاج وزيادة فعاليته وجودته، وبالتبعية المزيد من المنتجات الحضارية لخدمة الإنسان ورفاهيته فضلاً عن القيم الفكرية والثقافية المصاحبة.

ولابد من الإشارة بأن قياس المنتجات (الأشكال) الحضارية لأي تجمع لا يعطي دلالة ما عن تفوق أو عدم تفوق هذا التجمع. ولايمكن فهم محددات (التفوق) دون الرجوع لدراسات مقارنة لتجمعات أخري لنفس المنتج، فضلا عن دراسة العلاقة الجدلية بين الإنسان وهذا المنتج في بلده والبلاد المغايرة.

هل الدين يشكل منتجا أو شكلا حضاريا؟!..
في الحقيقة لا يمكنني التسليم بذلك. لماذا؟! لأن الدين يمثل مجموعة من القواعد والأوامر والنواهي، التي تحل مكان النقطة الهامة والتي ذكرتها وهي علاقة المنتج الحضاري - باعتباره منتجا بشريا - وتفاعله مع الإنسان. فالدين ليس منتجا بشريا. ولأن علاقة التفاعل بينه وبين الإنسان تسير في اتجاه واحد لا يتغير ولا يتبدل، وبمقاييس البشر فهو يشكل علاقة إذعان وليس علاقة إبداع ومعرفة وتطوير.

يمكن للدين أن يشكل قيما أخلاقية رائعة بين الناس بعضهم ببعض، كما أنه يتيح ووفق الفهم السوي للقائمين علي أمور الدين لعلاقة رائعة أيضاً بين الإنسان وخالفه، وهذا ما يجب أن يكون عليه فهم الدين والذي يمكن النظر إليه في هذه الحالة بأنه يشكل رافداً هاما للثقافة وحرية التعبير. لكنه لا يصلح أن يكون بمفرده كل مظاهر التحضر لمجتمع ما.

وعموما - وهذا رأيي - فأن المجتمعات الدينية التي تغلب فهم الدين لرجال الدين وكهنته، هي مجتمعات منغلقة وبعيدة كل البعد عن حديثنا عن الحضارة وقياستها، وباعتبارها وليدة لإرهاصات ومعاناة بشرية وليست حلولا جاهزة آتية من السماء.
لا أعتقد أن الله يقبل بذلك ..

....

آخر الكلام ...
"فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَال."

القاهرة : الأحد ا/6/08

....

ليست هناك تعليقات: