السبت، مايو ١٢، ٢٠٠٧

7 - الرمح المقدس ..

.

لست هنا في مقام الدفاع عن د. نصر حامد أبو زيد فحكايته قد حدثت وكتبت. وإن كان فيها بعض الفصول التي ستأتـي الأيام لتوضح الأمور بشكلها الحقيقي. ما يعنيني في قصة أبو زيد هو النزعة الدفينة لدي التيارات الدينية وحلفائهم من الساسة في محاربة أية نزعة للتجديد وعدم التسليم والقبول بأي جديد في أي منحي للحياة. ومن ثم فليس لنا سوي أن نتوقع ردة فعلهم وكما حدثت تجاه من يخالفهم ( د. أبو زيد وأيمن نور مرشح الرئاسة عن حزب الغد - وهو مسجون حالياً - مجرد مثالان ). والحكم الذي صدر علي أبو زيد – بما في ذلك الاستئناف – يؤيد صحة كلامي. لماذا ؟ لسبب بسيط للغاية وهو أن القضية برمتها قضية بحث علمي، ويفترض أنه ليس في العلم من حرج - بين العلماء والدارسين المتخصصين - وأدبياتنا العربية والإسلامية بها الكثير من الأمور التي قد يستهجنها العامة، لكنها بالتأكيد أضافت الكثير لطرق التفكير والتحليل والبحث. وقد يخطأ الباحث وله حسنة نظير جهده وقد يصيب ويجني ثلاث حسنات. ولو عولجت المسألة من خلال هذا الإطار داخل الجامعة، وليس بنقل معلومات مغلوطة للعامة من أجل تحريضهم وقيامهم بمظاهرات.!! ثم نقل المسألة بأكملها لميكرفونات الجوامع من أجل الاحتكام إلي رأي العامة في موضوع علمي بحت.
في السياسة، هل يجرؤ كائنا من كان علي ترشيح نفسه لأي منصب سياسي رفيع؟!! هناك من يصدق أننا جميعا متساوون في الحقوق والواجبات، وأن أي مواطن له الحق في ترشيح نفسه حتى لرئاسة الجمهورية.!! في الستينيات صدق أحد البسطاء تلك المقولة وفعلها ولم يتحمل بعد ذلك الضغوط الرهيبة ففضل الانتحار غرقا بنيلنا العظيم. وتكررت التجربة بعد ذلك مرات عديدة. لنكتشف أن أي فرد يحاول استخدام حقه في (المواطنة) هو مواطن مصاب بعوارض الإكتئاب والجنون والبلاهة والسفاهة وقل ما شئت.وصدقوني أن ماحدث لأيمن نور كنت أتوقعه وكما حدث بالضبط. ذلك أنني أعرف بشكل يقيني كيف يدار (فكر دولاب السلطة)، ونوع التحالف بين السلطة وبين التيار الديني المظلم والرجعي، وكافة الرموز من منتفعين وانتهازيين وتجار السوق السوداء. الذين من مصلحتهم جميعا أن نظل في حالة من التخلف المذري، وأن نفكر ونعيش بطريقة أهل القرن الثامن عشر وما قبله.إذا لم تصدقني قم بجولة في ربوع المحروسة، قراها الفقيرة ونجوعها ومدنها المزدحمة والقذرة واستمع للناس وحاول أن تستنطقهم أحلامهم إن استطعت.أعود ثانية لنقطة البدء وحتى لا ننسي فأنا أتحدث عن – رمح مقدس آخر زرعه التيار الديني والسياسي في بلدنا المحروسة – وأسال مالذي تفعله التيارات المتشددة حين تختلف مع أفكار تغاير أفكارهم.؟! كيف يردعون الأشخاص الذين يختلفون معهم في الفكر والفهم والأسلوب. السلاح جاهز وأعني سلاح التكفير والقتل. وعند الحكام والساسة سلاحهم مساو في النتيجة والفعل أيضا وأعني سلاح السجون والمعتقلات ثم الاتهام بالعمالة والخيانة العظمي.!!. هل وصلت الفكرة الآن؟ أليس هذا ما يحدث في بلدنا؟. أليس من الأجدى والأسلم لنا جميعا أن نعتنق مبدأ: الطاعة؟!! الطاعة الواجبة لولي الأمر (رجل دولة كان أم رجل دين)، ثم الطاعة الواجبة ثم الطاعة. !! لا في الدين ولا في السياسة مسموح لأحد بالقفز فوق فكرهم. وأي محاولة للتجديد أو مجرد الحديث عن ذلك سيجابه بسلاحهم الباتر فليس بالإمكان أبدع مما كان.
لا أدري لماذا قفز لذهني الآن تساؤلنا الدائم بأن فترة 50 سنه من عمر الدول كافية لأن تغير الكثير إلي الأمام والأحسن. لماذا نحن بالذات نهرول للخلف؟!! وحتى أريح الكثيرون الذين سيقفز تفكيرهم ويتهمونني بأني علي عداء مع الدين أصرح بأن هذا غير حقيقي وتريثوا – يرحمكم الله – قبل القفز لمثل تلك النتيجة التي ستدخلنا في دوامة من تبادل الاتهامات، وقد يشتط أحدهم فيقفز لما هو أبعد من ذلك. أقول أنني أعتز بديني وأفهمه كدين يدعو للمساواة والعدل والحرية وقبول الآخر واحترام فكره.
الخلاف إذن ليس مع الدين – ولن يكون - بل سيظل دوما مع الكهنة وحملة المباخر وعساكر السلطان. ولعل في مقولة سيدنا علي ما يوجز الكثير مما أعنيه: هذا هو القراَن أما تأويله ففي عقول الرجال.
السبت، مايو 12، 2006

الجمعة، مايو ١١، ٢٠٠٧

6 - الرمح المقدس ..

.
هل تتذكرون قضية الدكتور نصر حامد أبو زيد؟ الذي حكمت عليه أحد المحاكم بالتفريق بينه وبين زوجته.!! وكان قبلها مباشرة قد فشل في الحصول علي درجته العلمية من الجامعة المصرية رغم موافقة اثنان من الأساتذة المناقشين واعتراض العضو الثالث. وما تبع ذلك من هجوم ضار عليه وصل لحد الإهانة والتكفير!!
بإيجاز شديد كانت رسالة الرجل تتحدث عن قداسة النص والتأويل، وأن تأويل القران هو أمر بالضرورة غير مقدس، ولا ينبغي أن يكون. والموضوع قديم وتحدث فيه وعنه الكثير من الأقدمين ، حين كانت حرية الفكر مصانة، والفكر لا يجابه إلا بالفكر. وكان ذلك ضمن فترات الصحوة الإسلامية التي يجب أن ننظر إليها الآن بحسد وغضب لما يعترينا من جمود وخوف من تجديد الفكر. .
كان من الممكن ألا توجد أو تختلق أية مشكلة للدكتور أبو زيد، لو اَمن العضو الثالث بأن المكان الطبيعي والآمن لأي نقاش علمي هو تحت سقف الجامعة. ولو رد علي فكر الرجل بفكره، ولو قبل مناقشته بعد أن يقرأ رسالته. لكنه لم يفعل أي شئ حتى أنه لم يقرأ سوي عدة صفحات، وأشر بشجاعة يحسد عليها بأن هذا هو الكفر بعينه. ثم نقل الموضوع برمته لخارج أروقة الجامعة وتحديدا لمنابر الجوامع. وشن حملة شعواء في كل خطبة جمعة يلقيها بجامع عمرو بمصر القديمة، أو في أحاديثه أو دروسه بنفس الجامع. ونجح الرجل بدرجة امتياز في مسعاه، وأعطي إشارة البدء، والضوء الأخضر لتلاميذه ومريديه وأحبابه وكدابين الزفة الذين يطربهم ويقوي إيمانهم مثل تلك الحوادث السخيفة، فقاموا جميعا قومة رجل واحد، وكيف لا والإسلام في خطر.!!
وبطبيعة الحال كان كل ذلك هو الخطوة الأولي لإعلان كفر د. نصر. الذي لم ينكر إسلامه يوما ولايزال يردد ويدعو دعاء جميلا: "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني علي الناس ... الخ الدعاء."
نجحوا في مسعاهم إذن من أجل إصدار الحكم النهائي بتكفير أبو زيد، ولم ينتهي الأمر عند حد تلويث سمعة الرجل، وطعنه في دينه وفكره. حتى سرعان ما قفز أحد المحامين (ضمن فرقة كدابين الزفة) ليكمل اللعبة السخيفة المتفق عليها برفع قضية تفريق بين الرجل (الكافر) زوجته (المسلمة). ومن ثم توج مجهودهم الرائع بحكم قضائي مهين للفكر والثقافة وأيضا للدين والعدل .
والغريب أن يحكم قاض مسلم بالتفريق بين رجل مسلم وزوجته.!! ولم يجرؤ أي مسئول حكومي أو أي سياسي من أصحاب النفوذ بالنطق بكلمة واحدة في حق الرجل، أو بنقد الحكم، أو العصابة التي كانت وراء كل ذلك. والأمر كان أشبه بمافيا لها من السلطة والجبروت، والإصرار أن يعيش المجتمع في عصرً من الظلمة والنفاق والجمود وإلا.!!
ولم يكن أمام الرجل وزوجته سوي قبول دعوة - ضمن دعوات كثيرة - من أحد الجامعات الأسبانية للتدريس هناك. ولقد أسعدني الحظ أن أشاهد الدكتور أبو زيد في عدة مقابلات تلفزيونية، أكد في جميعها انه لم يهرب من مصر وأنه سيعود يوما ما. ومن الطبيعي أن نتفهم، ونقدر موقفه في قبول دعوة (الكفرة) لتدريس الفكر المستنير في جامعاتهم.!!
هذا بإيجاز شديد ما حدث لنصر حامد أبو زيد. وقد يكون من المفيد أن أقول أن تكفير الإنسان أمر لا تقبله الفطرة السوية، وتستهجنه نفوس وعقول الأسوياء. ولا يمكن أن يأتي علي الإطلاق بحكم محكمة، وإلا فالباب سيفتح علي مصراعيه لقضايا غير عادلة وغير نزيهة وغير مقدسة بتكفير كل البشر الذين يخالفونهم الرأي والقصد والفهم.
يبدو أن عجلة الزمان قد عادت بنا إلي القرون الوسطي حيث محاكم التفتيش تتربص بالظاهر والباطن وبالنوايا لتغلق كل نوافذ التنوير والتجديد، وحيث صكوك الغفران بجنة زائفة يمنحونها للضعفاء ويباركون بها جمود العقل والفكر والمسعى، وحيث المحارق تلتهم أجساد وأفكار وكتب ومقالات كل من يخالف الكهنة ورجال الدين. ولتزداد سطوة ثقافة الحرام والتحريم، لتسود ثقافة القهر كل الوطن وكل العباد.


.

الخميس، مايو ١٠، ٢٠٠٧

5 - الرمح المقدس ..

.
نحن في مواجهة لعبة كبيرة يلعبها طرفان. الغالبية ويمثلون الأحزاب والتيارات الدينية المتزمتة المتشددة وأكثرهم من الجهلة وأنصاف المتعلمين. يأتي في المقدمة منهم - دون أن يظهروا أو يكتشف أحد وجودهم وفوق هيكل هرمي كبير - أصحاب المال والسطوة من الزعماء المؤمنين بالأفكار السلفية. ومعلوم أن معظم الأموال تأتي من اتجاه الجزيرة العربية خاصة السعودية.
ثم يجئ بعدهم المنظرين ثم المشايخ ثم المريدين والأتباع وصولاً للصبية والشباب، الذين يسهل غسل أدمغتهم لإعدادهم للجهاد والقتل أو الانتحار. ثم يجئ الرجال والنساء بمختلف أعمارهم. ثم تجئ فئة حملة المباخر من المتحدثين أمام الميكرفونات بالجوامع والقنوات التلفزيونية، والندوات، وفصول المدارس. ثم من هم أقل درجة في مجال خدمة الجوامع والزوايا. ومعظمهم ما لم يكونوا جميعهم أغبياء في فهم الدين فهم أكثر غباءً في فهم السياسة أو فهم المواطنة وما تعنيه.
الطرف الثاني في اللعبة وهم (الساسة) ويمثلون المنتفعين والأرزقية وتجار التخلف. وهم أيضا أكثر غباء في فهم المتغيرات السياسية، وما تعنيه أيضا حقوق المواطنة من تساو في الحقوق والواجبات.
ولعلني أضيف طرفا ثالثا وهو الكثرة العددية أو الطرف الغافل والصامت، والذين يفضلون الصمت ويكتفون بالمشاهدة.
.
واللعبة ليست قاصرة علي الدين فقط بل تمارس أيضا في السياسة. وهي تمارس بشكل يغلب عليه الاقتناع التام لحد الاندماج والتقمص للأدوار. فلا المغفل ولا الجاهل ولا الغبي ولا نصف المتعلم - في التيار الديني - يعي أي شئ عن حقيقته. بل علي العكس، فأي منهم يعتقد انه المنقذ والعبقري والمخلص الذي يخدم العقيدة والفكر والذي يسعي لإعلاء كلمة الإسلام والمسلمين. وفي السباسة فهم أيضاً يحاربون الاستعمار والتخلف وهيمنة القوي الكبري،وهم بهذا النضال (الذي هو رديف للجهاد) يسعون أيضا لإعلاء شأن الوطن والمواطن حتي لو دخلوا في المزيد من الحروب والمشاحنات ومهما كانت خسائر الوطن والمواطن.!!
.
وتكون المصيبة أشد حين يتبادل اللاعبون أماكنهم. فتجد من يلعب بالدين قد تقمص شخصية المناضل السياسي، أو العكس حين تجد سياسيا أطلق لحيته وأستخدم كل اكسسورات رجال الدين في قوله وملبسه.
هل ننسي صدام وهو نموذج للسياسي الديكتاتور في آخر سنين حكمه. وما ادعاه من تقوي وورع وتدين، وتغييره لعلم بلاده بحيث أصبح أشبه بعلم دولة دينية. ثم أنظر للدور السياسي الذي يلعبه الملالي في طهران والعراق الاَن وما سيجرونه علي بلادهم والمنطقة بأسرها من خراب وتدمير.!
.
النقطة المهمة التي تبين الي أي حد من التخلف وصلنا اليه بعبادة الرماح المقدسة هو ما يستخدمه اللاعبون من أسلحة في مواجهة الغير. في السياسة يستخدمون سلاح الاتهام بالعمالة والخيانة العظمي، وكلها أو أي منها تلحق بصاحبها العار ثم حكم الإعدام. وبنفس النهج يستخدم اللاعبون بالدين سلاح التكفير والإفساد في الأرض. وذلك – أيضاً – عقوبته القتل أو الذبح والعار في الدنيا والآخرة.
.
لماذا كل ذلك ؟!!!
لماذا حين نختلف حول جدوى أحد الرماح نقفز (في السياسة) لاتهامات كبيرة ومهينة مثل الخيانة العظمي. وفي الدين لاتهامات بالتكفير وإقامة الحدود، لردع كل من تسول له نفسه مناقشة أمر في الدين أو سعيا للتجديد في فهمه.!!
لماذا يغلب علينا فكر الحرب والمؤامرة والصراع. إن لم يكن في مجابهة الكفرة والصليبين والإمبريالية والصهيونية العالمية وربيبتها إسرائيل فنحن جاهزون للقتال والحرب والتضحية بالغالي والنفيس من أجل الشرف والكرامة، والدخول في حروب وصراعات مدمرة ولا تنتهي، عربا ضد عرب، و عراقيون ضد عراقيون، و مصريون ضد مصريون. وجزائريون ضد جزائريون .. الخ القائمة.
ويبدو أن الجرثومة طالت الفقراء المعدمين في الصومال.
.
هناك بالتأكيد خدعة كبيرة يعيشها المسلمون، وأكاد أشم رائحة الدولارات المشبعة بالجاز وراء كل ذلك.!!
.

الأربعاء، مايو ٠٩، ٢٠٠٧

4 - الرمح المقدس ..

.

لا أنسي رأي أحد القضاة من صعيد مصر حين قال: إذا ما استلزم الأمر، سأنسي كل شيء عن مهنتي وتعليمي الجامعي وأسرتي وسأخرج حاملا سلاحي لأخذ ثأري.! وفي مقابلة بأحد البرامج الإذاعية مع صبي مراهق متهم بجريمة قتل (أخذ بالثأر)، سأله المذيع عن سلاحه ومتي اشتراه ولماذا يصر علي حمل سلاح والاحتفاظ به في داره. وكانت إجابات الصبي غريبة ومزعجة إلي حد كبير. حيث أصر أن السلاح هو شرف الرجل وانه غير نادم علي ما أرتكب من جرم.
أليس رمحا كبيرا - اّخر - يقدسونه.؟! رغم انه أشبه بالخازوق الكبير، الذي يستمتعون بالجلوس عليه.
.
ولأن المنطق غريب واستفزازي، فقد بدأت أسال. وتقمصت شخصية المذيع لأكتشف أن الصبي لم يكن في الحقيقة سوي مراهقاً يردد كلام الكبار.!! ولا أدري - حتى الآن - ماهي علاقة حمل السلاح واقتنائه بالشرف.؟!
.
ولي أيضاً ملحوظة صغيره عن جريمة أخذ الثأر فأنا أعتبرها جريمة مخلة بالشرف، لأنه ليس فيها علي الإطلاق نبل الفرسان الذين كانوا يتفقون علي نوع وسلاح المبارزة ووجها لوجه وبحضور شهود. وبطبيعة الحال كان هناك فائز ليعيش ومهزوم يقتل، حتى أن المثل الروسي يقول: صلح ردئ خير من مبارزة جيدة.أما عندنا وفي البلاد المتخلفة عموما فالشجاعة في التربص في الظلمة، ووسط حقول الذرة أو القصب ثم القتل من الخلف. ويصل الأمر في بعض الأحيان لتشويه ما تبقي جثة القتيل.
..
يبدو أن ذلك يشكل بالفعل رمحاً مقدساً آخر يستحيل كسره. فهناك الكثيرون الذين يناضلون في حياتهم من أجل شراء قطعة سلاح، وبأي ثمن ولحد أنه يمكن للفرد أن يعيش جائعاً هو وأسرته ليوفر ثمن السلاح من طعام أطفاله. في بعض قري مصر البنادق الرشاشة الآلية والنصف آلية مخبئة بباطن الأرض، وستظهر حين يجئ الوقت المناسب لاستعراض الشجاعة في القتل من الخلف.!! .
ومع الوقت تصبح أسلحة مثل المسدس لعبة للأطفال، وتظهر أسلحة قوية وفتاكة وتستطيع أن تحصد العشرات. بطبيعة الحال هناك سوق قوي وتجار وسماسرة ومافيا، وعمليات تهريب ضخمة للأسلحة الإسرائيلية وغيرها من الرشاشات الحديثة.في باكستان قري كثيرة لا يعمل أهلها بأي صنعة أو تجارة أو عمل سوي تجارة السلاح. ويقال انك تستطيع أن تسلح جيشا صغيرا من إمدادات الأسلحة الموجودة بتلك القرى.!! وفي أفغانستان حدث ولا حرج عن كمية الأسلحة التي لن تتمكن الحكومة المركزية من جمعها وحتى لأجيال قادمة ، مادام هناك أمراء الحرب وتجار الأفيون والصراع الدموي علي السلطة. وفي مصر يتباهى بعضهم بأخذ صورة له وهو يحمل بندقيته أو رشاشه، وفي عمان يضعون الخنجر كأحد الإكسسوارات المكملة لأناقة ووجاهة الزى الشعبي. وفي السعودية يرقصون بالسيف، وفي العراق المصيبة أكبر وأقسى. لكنهم جميعا في النهاية مسلمون ومتشددون في أحكامهم الفقهية، حول الطول الواجب للحية وشكل اللباس الشرعي، وقتل المرأة التي لا تخفي عورة وجهها خلف النقاب.!!
.
في كل البلاد التي ذكرتها المسلمون هم الكثرة. وليس ذلك بعيب في الإسلام بقدر ماهو الموروث الجاهلي في عقول ونفوس الناس. ليصبح الإسلام مجرد واجهة براقة يشوهونها كل يوم بجرائم يندي لها الجبين، وبرود قاتل يصل لحد التلذذ في قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
....

الثلاثاء، مايو ٠٨، ٢٠٠٧

3 - الرمح المقدس ..

.
ابتدأت الحديث عن أحد الرماح التي من المستحيل تقريبا أن تكسر، وأعني فرض قيم الذكر. وما يتبع ذلك من عدم إعطاء المرأة حقوقها التي كفلها الله والشرع وضمير الإنسان . الغريب في الأمر انك تجد دائما الغطاء الشرعي لمثل تلك التصرفات. تجد من يستشهد ويفسر لك القراّن بصحة كل ذلك، ومن يجد لك أحاديث نبوية تبرر ما يحدث. وأبداًً لن يكون العيب في القراَن ولا في السنة الصحيحة.
.
والأدهى هو قبول المرأة نفسها بتهميش دورها، ورضاها بإخفاء جنسها التي خلقها الله عليه إن لم يكن خلف أسوار عديدة فخلف النقاب بل ودفاعها عن كل ذلك.!! هل اعتماد المرأة – اقتصاديا – علي الرجل يدفعها لذلك؟ أعتقد ان الإجابة بنعم علي الأقل في معظم الحالات لكن ما رأيكم في اقتناع المرأة العاملة والتي ترحب أيضا بنفي جنسها وسجنه خلف النقاب.؟!
.
أتفق مع البعض أن الفقر والجهل هما وجهان لعملة واحدة، وأن مايحدث من تجاوزات يكون بسببهما. حتى أن الدكتور يوسف إدريس تحدث عن فقر الفكر وفكر الفقر.!! لكن ليس هذا بكل شئ دعونا نخطو خطوة للأمام ونتحدث عما يشكل فكر الناس ويدفعهم لتقديس مثل هذا الرمح، وأعني فرض قيم الذكر. وما يتبع ذلك من تبني المفاهيم المريضة لتكون الدليل والمرشد لهم في الحياة.

باعتقادي أن تأثير الفكر الوارد من الصحراء، والمصحوب بالدولارات المشبعة برائحة النفط هو السبب الرئيسي، خاصة الفكر الوهابي. هذا المذهب المتشدد الذي لا يروق ولا يناسب – المصريين ولا غيرهم - وبالرغم من ذلك تجده ينتشر بآثاره الضارة في العقول، وهو المسئول الأول عن ظاهرة الإرهاب والتطرف والتشدد والسلفية العمياء.

قبل الفكر الوهابي جاءت ثقافة الصحراء إلي مصر مع المهاجرين الأوائل إليها من الجزيرة العربية، حيث استوطنوها وتعلموا الزراعة وتزوجوا نسائها. لكنهم بقوا علي ترفعهم وجاهليتهم التي تتيه بجنسهم وعرقهم وعلوهم عن باقي المصريين. وحتى الآن فأي بدوي يعيش في مصر يفخر بجذوره القادمة من الصحراء، ويحن لقبيلته التي لا تزال تعيش هناك مع انه يحمل الجنسية المصرية.!! ولا يزال أفراد كبري الأسر المصرية في الصعيد والجيزة والشرقية يتغزلون بأصولهم العربية القادمة من الصحراء .

سأضرب مثلا عن تأثير فكر الصحراء الجاهلي في المصريين، ولعله رمحا مقدسا آخر أضافه هذا الفكر وزرعه بأرض وادي النيل وغيره من الوديان.
من المؤكد تاريخيا أن مصر لم تعرف في تاريخها الممتد جريمة الأخذ بالثأر، وأن تلك الجريمة الجاهلية جاءت لنا من الصحراء - عبر طريق بري ثم عبر البحر بعد ذلك - مع المهاجرين الأوائل من العرب راكبو الخيول وحاملو السيوف. حتى أن هناك مناطق عديدة في مصر ( الصعيد- الجيزة - الشرقية ) والتي شهدت استقرارا لموجات الهجرة العربية إلي مصر، في تلك المناطق لا يمكن أن تختفي منها تلك الجريمة بسهولة، ودون تدخل رادع يأخذ بحق الضعفاء ويرجع الحق والعدل لأصحابه.
.
والملاحظ أن تلك المناطق تتميز بخصوبة التربة الزراعية. والمؤكد ان ذلك شكل سببا رئيسيا لنزوح عرب الصحراء إليها. والأدهى كيف استولوا علي تلك الأراضي؟!! بالقوة والاغتصاب من الفلاحين المصريين الفقراء الضعفاء، إلي أن أصبحوا هم السادة المتحكمين في الأرض وفي الملاك القدامى من المصريين!! ثم كونوا عشائرهم، وعائلاتهم بعد ذلك.
.
وطبيعي أن تنتشر ثقافتهم الجاهلية التي تمجد قيمة العشيرة والأسرة وتفخر بجريمة الثأر. ومع أن الإسلام يحرم القتل وآياته واضحة وصريحة. إلا انك تجد من يدافع عن تلك الجريمة ويجعلها مبررا كافيا للحياة بشرف.!!
.
.

الاثنين، مايو ٠٧، ٢٠٠٧

2 - الرمح المقدس ..

.
من الواضح أننا - وغيرنا من الناس - نملك أيضا رماحنا المقدسة، وليس رمحا واحداً. ليس بالضرورة بشكله المعتاد، فرع شجرة. ولكن ما أعنيه هو ما يسيطر علينا من أفكار لحد تقديسها أسوة بتقديس أولئك البدائيون لرمحهم المقدس. خذ عندك رمح تقديس قيم ( الذكر ). هل نحن مجتمع يؤمن بإعطاء المرأة حقوقها، ومساواتها بالرجل، علي الأقل في الأمور التي يجب شرعا وحقا أن تتساوي فيها المرأة بالرجل. أم أن مجتمعاتنا الشرقية هي مجتمعات تكرس قيم الذكر وحقوقه؟! حتى أن شكل الحياة يرسمها بكافة تفاصيلها الرجل.؟!
لا تنظر حولك بالمدن الكبيرة، حيث تتواجد دائما قشرة خارجية براقة وخادعة وكاذبة أيضا، واهرب حيث يعيش الفقراء في الأرياف والمدن الفقيرة ثم قل لي رأيك.؟!

في السعودية تناضل المرأة من أجل مطلب بائس وفقير، قيادة السيارة. وفي الكويت بعد ما يقرب من 50 سنه سمحوا لها أخيرا بالمشاركة في الانتخابات. وهناك محاولات جارية ومستميتة من أعضاء البرلمان المنتمين للتيار الديني لإجهاض هذا الدور.
وفي أفغانستان، المرأة التي تغتصب تعاقب من أهلها وجيرانها بتشويه وجهها بالحامض المركز، أو هربها بعارها مع إطلاق سراح مغتصبيها لعدم كفاية الأدلة .
وفي باكستان لجأوا الي حيلة شريرة لمنع زواج الأبنة الوحيدة والثرية من أي فرد بتزويجها للقران.!! وذلك بحبسها - المتبقي من حياتها - في معزل بثياب العرس الأبيض وحيدة إلا من قراَن معها تتلوه. هل سمع أحدكم عن ذلك ؟!!
.
يمكن سرد الكثير من الأمثلة والتي تصل – في فهم الرجال - لحد اعتبار المرأة ( شيئا ) ضمن مقتنيات الرجل. غير أن
هذا الشيء يجلب العار والإثم وهو أصل الفساد والبلاء. لذا يتوجب إخفاء هذا الشئ بالكامل منعا من رؤيته، لتجنب وقوع – الرجل - في الرذيلة وجلب العار لأسرة المرأة، والمقصود أيضا هم رجال أسرتها.
.
وقد يكون من الأصح عدم السماح لها بالحركة بالمرة خارج أسوار المنزل الذي تعيش فيه، والاكتفاء بما تمليه عليها القليل من الحركة لأداء واجباتها صباحا في التنظيف وتجهيز الأكل للرجل والأولاد، ومساء هي جاهزة أيضا لمتعة الرجل.!!

وفي الحركة بركة، ورفقاً بالقوارير.!!
.

الأحد، مايو ٠٦، ٢٠٠٧

1- الرمح المقدس ...

.
قرأت هذه الحكاية منذ مدة طويلة بمجلة تعني بتراث الشعوب. وسأعتمد في نقلها إليكم علي الذاكرة وسأتصرف في أحداثها وفق مقتضيات الحال. أحداث القصة حقيقية وتدور أحداثها في أحد القرى الأفريقية البعيدة كل البعد عن المدنية، والتي يعتمد أفرادها علي الصيد والأعمال اليدوية ويعيشون في أكواخ متجاورة، يتوسطها كوخ مهيب للرمح المقدس الذي يألهونه ويتباركون به ويودعونه أسرارهم. وطبيعي أن كوخ الكاهن ملاصق للكوخ الذي يرقد به الرمح المقدس. والكاهن في تلك القرية هو الذي يعتني بالرمح ويقدم له القرابين ويدخل عليه ناقلا رغبات الرعايا وهمومهم وباقي الأعمال التي تمليه عليه وظيفته الروحية.

الأيام تمر، والقرية تعيش – دون منغصات - في عالمها الخاص، الذي هو في معظمه خليط من مغامراتهم مع الحيوانات الأكبر حجما والأشد فتكا، والتي قد ينجحون في اصطيادها أو تنجح هي في اصطيادهم. والجزء المتبقي هو جانب كبير من الخرافات والشعوذة ومعظمها يدور حول الأرواح الشريرة التي تتربص بهم وتريد أن توقع بهم الشر لولا وجود الرمح المقدس بينهم وبجواره الكاهن العجوز.

ذات يوم حضر احد المبشرين لتلك القرية، وهاله ما رأي واعتقد للوهلة الأولي أن مهمته ستكون سهلة للغاية مع أولئك البشر الذين يعبدون أحد فروع الأشجار، حتى لو جعلوه رمحاً وأطلقوا عليه ما يناسبهم من ألفاظ تجعله مقدسا. ابتدأ معهم بالحديث عن الشجرة التي قطعت أحد فروعها لتكون رمحا وعن وظائف الشجر وكيفية زراعته، وعن خالق الشجر وكافة المزروعات .

بعد شهور عديدة لاحظ المبشر أنه ليس هناك من تأثير يذكر لكلامه أو نصائحه ودروسه أو محاولاته المستمرة لتنوير عقولهم. وجن جنونه حين وجد أن الاحتفالات وتقديم القرابين للرمح في ازدياد، فما كان منه إلا تسلل في الظلام لداخل الكوخ الذي بداخله الرمح ومسكه ثم كسره لقطع عديدة والقي بها ثم انسل خارجا لكوخه وراح يراقب ما سيحدث بعد ذلك.

كان الصباح التالي عصيبا لكل أفراد القرية خاصة لكاهن الرمح المقدس الذي أصيب بإكتئاب وإسهال شديدين. كان المبشر ينظر إليهم سعيدا وهم يتجمعون في حلقة ضيقة حول الكاهن الحزين، الذي ظل جالسا في وضع القرفصاء رافضا أن ينطق بكلمة واحدة. وظل هذا الوضع حتى المساء وفجأة وجد الكاهن ينهض بخفة وهو يرقص سعيدا وحوله جموع غفيرة من الناس وهم يحملون القرابين ويشاركونه الرقص .

ما الذي حدث.؟! قال الكاهن لأتباعه وهو ينظر تجاه كوخ المبشر: حطم كافر، زنديق ماجن رمحنا المقدس إلي قطع كثيرة. أتعلمون ماذا حدث بعد تلك الجريمة النكراء.؟! أخذت تلك القطع تتجمع بجوار بعضها البعض وهي تطير عاليا في الجو، ثم هبطت علي صفحة الماء بالنهر، وسرعان ما التحمت الأجزاء بعضها ببعض ثانية بقوة وصلابة، لتأخذ الشكل المألوف للرمح المقدس، مهيباً رائعا، مقدساً كعادته ثم سرعان ماطار في السماء عائدا لمستقره بكوخه.
ووسط حماس الأتباع ورقصاتهم وصياحهم، دخل الكاهن للكوخ وعاد حاملا الرمح المقدس، وأخذ يبارك به جموع الحاضرين واحدا بعد الآخر، ثم أعاده ثانية لمكانه الدافئ مع تشديد الحراسة - بطبيعة الحال - حول الكوخ.

علم المبشر أن تلك الحكاية ستشكل خرافة مضافة لوجدان أهل القرية، وسيصعب عليه هو أو غيره أن يناقشوهم فيها، أو فيما يمس معتقدهم وتأليههم لرمحهم المقدس حتى لو كان فرع شجرة. فحزم المسكين حاجياته وفضل الرحيل بعيدا عنهم.

القصة بسيطة. وبالرغم من ذلك فهي لا تخلو من إثارة وعمق في المعني، وهي تحمل في مضمونها العديد من الأمور التي سأحاول مناقشتها وحسب تداعيات المعاني.
.