الجمعة، مايو ١١، ٢٠٠٧

6 - الرمح المقدس ..

.
هل تتذكرون قضية الدكتور نصر حامد أبو زيد؟ الذي حكمت عليه أحد المحاكم بالتفريق بينه وبين زوجته.!! وكان قبلها مباشرة قد فشل في الحصول علي درجته العلمية من الجامعة المصرية رغم موافقة اثنان من الأساتذة المناقشين واعتراض العضو الثالث. وما تبع ذلك من هجوم ضار عليه وصل لحد الإهانة والتكفير!!
بإيجاز شديد كانت رسالة الرجل تتحدث عن قداسة النص والتأويل، وأن تأويل القران هو أمر بالضرورة غير مقدس، ولا ينبغي أن يكون. والموضوع قديم وتحدث فيه وعنه الكثير من الأقدمين ، حين كانت حرية الفكر مصانة، والفكر لا يجابه إلا بالفكر. وكان ذلك ضمن فترات الصحوة الإسلامية التي يجب أن ننظر إليها الآن بحسد وغضب لما يعترينا من جمود وخوف من تجديد الفكر. .
كان من الممكن ألا توجد أو تختلق أية مشكلة للدكتور أبو زيد، لو اَمن العضو الثالث بأن المكان الطبيعي والآمن لأي نقاش علمي هو تحت سقف الجامعة. ولو رد علي فكر الرجل بفكره، ولو قبل مناقشته بعد أن يقرأ رسالته. لكنه لم يفعل أي شئ حتى أنه لم يقرأ سوي عدة صفحات، وأشر بشجاعة يحسد عليها بأن هذا هو الكفر بعينه. ثم نقل الموضوع برمته لخارج أروقة الجامعة وتحديدا لمنابر الجوامع. وشن حملة شعواء في كل خطبة جمعة يلقيها بجامع عمرو بمصر القديمة، أو في أحاديثه أو دروسه بنفس الجامع. ونجح الرجل بدرجة امتياز في مسعاه، وأعطي إشارة البدء، والضوء الأخضر لتلاميذه ومريديه وأحبابه وكدابين الزفة الذين يطربهم ويقوي إيمانهم مثل تلك الحوادث السخيفة، فقاموا جميعا قومة رجل واحد، وكيف لا والإسلام في خطر.!!
وبطبيعة الحال كان كل ذلك هو الخطوة الأولي لإعلان كفر د. نصر. الذي لم ينكر إسلامه يوما ولايزال يردد ويدعو دعاء جميلا: "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني علي الناس ... الخ الدعاء."
نجحوا في مسعاهم إذن من أجل إصدار الحكم النهائي بتكفير أبو زيد، ولم ينتهي الأمر عند حد تلويث سمعة الرجل، وطعنه في دينه وفكره. حتى سرعان ما قفز أحد المحامين (ضمن فرقة كدابين الزفة) ليكمل اللعبة السخيفة المتفق عليها برفع قضية تفريق بين الرجل (الكافر) زوجته (المسلمة). ومن ثم توج مجهودهم الرائع بحكم قضائي مهين للفكر والثقافة وأيضا للدين والعدل .
والغريب أن يحكم قاض مسلم بالتفريق بين رجل مسلم وزوجته.!! ولم يجرؤ أي مسئول حكومي أو أي سياسي من أصحاب النفوذ بالنطق بكلمة واحدة في حق الرجل، أو بنقد الحكم، أو العصابة التي كانت وراء كل ذلك. والأمر كان أشبه بمافيا لها من السلطة والجبروت، والإصرار أن يعيش المجتمع في عصرً من الظلمة والنفاق والجمود وإلا.!!
ولم يكن أمام الرجل وزوجته سوي قبول دعوة - ضمن دعوات كثيرة - من أحد الجامعات الأسبانية للتدريس هناك. ولقد أسعدني الحظ أن أشاهد الدكتور أبو زيد في عدة مقابلات تلفزيونية، أكد في جميعها انه لم يهرب من مصر وأنه سيعود يوما ما. ومن الطبيعي أن نتفهم، ونقدر موقفه في قبول دعوة (الكفرة) لتدريس الفكر المستنير في جامعاتهم.!!
هذا بإيجاز شديد ما حدث لنصر حامد أبو زيد. وقد يكون من المفيد أن أقول أن تكفير الإنسان أمر لا تقبله الفطرة السوية، وتستهجنه نفوس وعقول الأسوياء. ولا يمكن أن يأتي علي الإطلاق بحكم محكمة، وإلا فالباب سيفتح علي مصراعيه لقضايا غير عادلة وغير نزيهة وغير مقدسة بتكفير كل البشر الذين يخالفونهم الرأي والقصد والفهم.
يبدو أن عجلة الزمان قد عادت بنا إلي القرون الوسطي حيث محاكم التفتيش تتربص بالظاهر والباطن وبالنوايا لتغلق كل نوافذ التنوير والتجديد، وحيث صكوك الغفران بجنة زائفة يمنحونها للضعفاء ويباركون بها جمود العقل والفكر والمسعى، وحيث المحارق تلتهم أجساد وأفكار وكتب ومقالات كل من يخالف الكهنة ورجال الدين. ولتزداد سطوة ثقافة الحرام والتحريم، لتسود ثقافة القهر كل الوطن وكل العباد.


.

ليست هناك تعليقات: