السبت، يوليو ٢٨، ٢٠٠٧

8 - قراءة الشعر. تكملة قراءة قصيدة أصداء في ملكوت الصمت.

يظل الصراع بين الروح والجسد متواصلا ولكل أسلحته وفهمه . قد تضل الروح وقد تشرد وقد تهيم وقد تتخبط ، إلا أنها تظل – أبدا - موصولة بالجسد في أيا من تلك الحالات . ليظل الصراع الأبدي بينهما مستعرا ( تيه بين بين – الروح والجسد ).
نحن أمام قصيدة ذاتية – تماما - تصف نوعا من هذا الصراع ، صراع المعرفة مقابل الرغبة وحاجة الجسد . في هذا الصراع تتيه الروح لتقول كلمتها التي هي في الغالب أسئلة بلا أجوبة ، فيستمع الجسد وهو يراقب ويئن ويعلن عن ظمأه وشوقه لرشفة ماء ، وليس عليه - للخلاص - سوي أن يقتلع نفسه من تلك الروح المتمردة كثيرة الأسئلة . ليعود من حيث بدأ ليطفأ ظمأه ثانية . ثم يعاودان الكرة من جديد . تيه للروح ، فغربة وتساؤل ، ثم عطش وسراب – حتى يؤدي الجسد دوره لرحلة العودة ثانية . وتقديم إجابات منطقية عجزت الروح عن الوصول إليها . فالمكان هو نفس مكان البداية ، والظمأ يعرف الجسد كيف يرويه ....
حوار وفعل متبادلان بين الروح والجسد . يتم في صمت ودون أن تفصح الشاعرة عمن يقود من . أشبه بديالوج صامت . يتبادل الحوار فيه الروح والجسد ولغتهم هي الصمت ومزيد من محاولات الفهم .
العودة إذن هي عودة مادية للشاعرة لمكانها المعتاد – بعد أن شاهدت ولاحظت وراقبت – رحلة روحها وبحثها المتواصل ورصدت الحوار أو المنولوج الصامت بين روحها وجسدها وهما في حالة انفصال ...

حسناً . لن أنام
سأحاول تقرّي دروبي
و معرفة ما يطويه الظلام
سوف أدخل هذا الزحام
خطوة
خطوتان
ثلاث
فقاعة آولى ...
حطام
فقاعة ثانية ...
ركام
فقاعة ثالثة ...
أوهام
من سيكون شاهداً عليها
سوى الأموات؟

ولأنها روح متمردة وباحثة عن الحقيقة ، فقد قبلت التحدي بالبحث ومعرفة ما يطويه الظلام من مخاوف ومجاهل فقررت أن يكون التيه هذه المرة نوعا من التحدي بدخول ( الزحام ) . زحام البشر ، ربما . زحام الكلمات والصراخ والضجيج ، ربما . وربما كان هذا وذاك . فتعاود الكرة برحلة أو تيه جديد . ولأنها واعية بما هو الزحام ، وما هي الظلمة وما تبعثه من مخاوف - رغم رغبتها في المعرفة - فقد قررت أن يكون التيه أو الرحلة لهذه المرة لثلاث خطوات فقط .
ماذا وجدت ؟!! أو ماذا عرفت ؟ أليس هذا ما تريد ؟ المعرفة !!
خطوة أولي كانت هي الفقاعة الأولي مجرد حطام . اقتربي أكثر، فقد تعرفين أكثر . وتقترب خطوة ثانية ، فلا تجد سوي الفقاعة الثانية ، وكم من الركام .
لابأس فلديك الخطوة الثالثة والأخيرة . وتخطوها فلا تجد سوي الفقاعة الثالثة ومزيد من الأوهام ..... هل بإمكان ثلاث خطوات أن تطوف بنا في كل تلك العوالم المتهالكة من الحطام والركام والأوهام ؟!!! عبور المكان والتنقل بحرية من مكان لأخر ، وما يعني ذلك ضمنا من التنقل أيضا عبر الزمن . لا يقدر الجسد الإنساني علي ذلك أو علي تحمله . وهي تفطن لذلك فتقرر بأن الأموات وحدهم هم شهود تلك العوالم . هل هذا صحيح ؟ نعم . فالموت لا يعني أبدا موت الروح بل يعني - ضمن أشياء كثيرة يعنيها – أن الروح ستحرر من سجنها وسجانها ( الجسد ) بحيث تصبح طليقة وحرة وسابحة عبر المكان والزمان ومهما كان البعد والاختلاف بين المكان والزمن .!!!

و إذا صدقت رؤيتي ، فيمكنني القول أن الشاعرة كتبت قصيدتها وهي واقعة تحت تأثير مؤثر قوي ، والأغلب أنها كانت معاناة جسدية ونفسية هائلة أطاحت باتزانها الظاهري فلم يتبق لها من وسيلة للمعرفة والتواصل والتناغم سوي تيه روحها ما بين عوالم الصمت والظلام للبحث والمعرفة وإيجاد اتزانها المفقود .
ولأن روح ( الشاعرة ) روحا تبحث عن السمو والمعرفة والاتزان الضائع ( سأحاول تقرّي دروبي و معرفة ما يطويه الظلام) فقد أحست أنها خدعت بعدما حلقت في سموات تلك الممالك الثلاث ولم تجد شيئا يستحق الذكر . بل عوالم من الزيف والخديعة والوهم والركام ، لعله عالم الخيال الذي نعيشه ولعله صدقا عوالم مادية نعيشها . وكأنه تأكيد للانفصال الروحي وما يعنيه من عذابات . فقاعات تتوالي وجميعها فارغة من أي مضمون أو معني . حتى أن الشاعرة تجد نفسها داخل فقاعة للكلام !!! الكلام بما يعنيه من تواصل بين البشر وما يرسمه من أشكال للحقيقة والخيال ، للكذب والصدق ، للمعني والعدم . تخيل معي أن الكلام أصبح للبشر هو مجرد أصوات تصدر دون أي معني أو قيمة . فلا تملك سوي أن تردد بأسف أو ( بغباء ) أن الرحلة أو التيه لم تكن سوي ولوجا داخل فقاعات تتداخل ببعضها وجميعها فارغة وتافهة بلا مضمون أو معني . هل يمكنني القول بأن ما اكتشفته كان أمرا متوقعا - علي الأقل بالنسبة - لها ؟ وأن العوالم التي نعيشها أو نهاجر إليها بأرواحنا هي محض ركام وأوهام وزيف . ومن هنا كان الشعور بالغباء . وكأنه نوع من معاقبة النفس والروح فلا جديد يمكن أن يأتي ، بل مزيد من انفصال الفكر عن الواقع ، والخيال عن الحقيقة . وكأنها تؤكد ما هي عليه من انفصال بين روحها وجسدها .
ثم هي تقرر أن تترك قيادها إلي الجسد . والجسد منهك ومتعب وصامت . فما تفعله الروح يؤثر حتما بالسلب والإيجاب عليه . فلا مفر بالنسبة للجسد من النوم . لعله يستريح ولعل تلك الروح القلقة والمجهدة من البحث والتقصي تأخذ قسطا من الراحة أيضا . حل سهل ومجاني وبه الضمانة الأكيدة لعودة الروح والجسد للالتقاء والراحة . المؤكد أن الروح في تلك المرحلة لها من القوة والسطوة والتأثير علي الجسد الكثير . فهي لا تستسلم لكل صراخه الصامت ولا لاعتراضاته ، فهي التي تقرر بداية عدم النوم ثم مواصلة البحث وحتى اجتيازها عتبات عوالم الزيف ثم تسليمها بكل ذلك . وكأنها تقول له بأسي ، بعد تلك الرحلة المضنية وذلك الانفصال المتعب في كل شيء : هيا يا صاحبي لقد خدعت . هيا لنستريح قليلا . فيجيبها فرحا : هيا إذن لننام فالنوم خير ترياق لنا. لكنها كانت تسعي لشيء أخر . يظل مسعاها في البحث والمعرفة حتى أثناء النوم ، وعبر الحلم الذي قد يعوضها عما وجدته من خديعة وزيف. النوم للروح هو مواصلة للبحث عبر الأحلام وهو في نفس الوقت أمر لازم لراحة الجسد المنهك .
كيف تكون أحلام مثل تلك الروح الشاردة . هي أحلام أشبه بالكوابيس ، لكنها كوابيس لها معني ، ولها في الخيال وجود ، ومن رحلات الروح تستمد رصيد كبير من الذكريات . أحلام بالكاد تأتي لكنها غير كافية لتشيع جنازة فجر قتيل أو ميت ، لا يهم فهو في كل الأحوال لن يأتي . صور يختلط فيها الخيال برصيد من الذكريات والتجارب المرة فترسم لنا الشاعرة جنازة لفجر لا يأتي ، وأحلام تتساقط مثل المطر قبل الأوان ، ويقظة للفجر وعلي خده قطرة حمراء .
يالها من وسيلة قاسية لمعاودة البحث عن الإتزان الضائع ويالها من وسيلة رائعة لراحة الجسد والروح
..

الأحد، يوليو ٢٢، ٢٠٠٧

7 - قراءة الشعر. قراءة لقصيدة " أصداء في ملكوت الصمت "

شيء ما من في كلمات تلك القصيدة يتسلل بداخلي كلما قرأتها ليهمس مخاطبا روحي قبل عقلي فيصيبني بنوع من الخوف والقلق، حتى أنني شعرت بعدم القدرة علي الكتابة عنها. ومع ذلك فمحاولاتي لفهمها متواصلة وإن كانت مضنية. أكتب القليل وأتركه أياما وأعود ثانية لما كتبت لأضيف عدة كلمات قد لا تفيد. فسيظل المعني الكلي عند الكاتبة التي نجحت بقدر كبير في رسم وتصوير معاناتها وتركتني أتخبط في الظلام دون قدرة علي تركها . فأنا أحبها وأحب تلك الطلاسم التي جاءت بها وأحب تلك الصور السريالية التي توحي بها كلمات القصيدة .

لا أستطيع أن أقرأ تلك القصيدة وإعطاء تفسير واقعي أو معان متداولة ومألوفة لما جاء بها من صور . ولا أعتقد انه بإمكاني أن أحيل المعاني الواردة إلي صور أو قيم رمزية تقبل التفسير والمصالحة مع الكلمات وأشعر أن الكلمات عاصية علي التفسير لكلتا المحاولتين . ولا يتبقى عندي سوي افتراض للفهم أخير .

حتى شهر زاد لا تعترف بأن ماكتبته قصيدة. وهي تسميها بخواطر وجدانية. ولعل هذا الاعتراف يقربنا قليلا من فهم القصيدة. وأشعر ايضا أن هذا الاعتراف يساعدني أكثر علي تكملة فهمي الذي خرجت به عند قرائتي للقصيدة أول مرة . فأنا أري فيها حالة روحية رائعة معروفة في أدبيات الباراسيكولجي بحالة انسلاخ الروح عن الجسد . وهي حالة يمكن أن يمر بها أي إنسان تحت شروط وظروف معينة . أهمها خضوع الجسد لقسوة شديدة مثل حالات التعذيب كما في حالات القسوة المفرطة التي يعامل بها الأسري والسجناء قبل قتلهم ، أو عدم القدرة علي التكيف مع الظروف القاسية مثل معيشة الجنود في خنادقهم وسط الأوحال والثلوج ، أو عدم النوم لمدة طويلة . وأيضا هناك حالة شائعة وقد تم رصد الكثير من حالات انسلاخ الروح عن الجسد فيها . وهي حالة خضوع الإنسان لعملية جراحية وإعطائه مخدر كلي . فالكثير من المرضي قد مروا بتلك التجربة التي تنفصل فيها الروح عن الجسد، وتروح بمراقبة ما يحدث له . أو أنها تحلق في أجواء الأماكن البعيدة لتقابل الكثير من المواقف الغريبة والأكثر من المعارف والغرباء. من المهم أن نفرق بين حالة ( الهلاوس ) التي تصيب الإنسان عند تعرضه لمثل تلك المواقف القاسية أو بعد تعاطيه لجرعات مخدرة وحالة انفصال الروح عن الجسد مع استمرار اتصالها به .

تيهٌ بيْنَ بيْنْ
و أسألُ كيفَ و أينْ؟
أكانتْ دربي طويلة
أم مرّة أخرى
خانني العطشُ
و سرابٌ كانت "العينْ"؟
بصمتٍ
اقتلعتُ نفسي
و حيث كنتُ
عُدتُ
و بصمتٍ
أطفأتُ عطشي
من أسودِ العَيْنَينْ

البداية تبوح بما ستقدم عليه تلك الروح الهائمة والتائهة في دروب طويلة ولا يحيط بها غير أسئلة دون أجوبة مع أنها لا تزال موصولة بجسدها بشيء أقرب في الشبه للحبل الصري الذي يوصل الجنين بأمه . أسئلة تؤرق وتبعث علي الحيرة والتي تبدأ بكيف ؟ وأين ؟ وليس هناك من إجابات – في الغالب – سوي مزيد من التيه والذي قد يفرضه خداع البصر بما تصوره العين من خيالات وسراب ، يزيد من مرارة وقسوة الظمأ ويزيد – بالتأكيد - من الإحساس بالتيه وما يعنيه من ضياع وتشتت حتى إن الرغبة في العودة تجئ ( بصمت ) ( وباقتلاع النفس ) . ربما تقصد اقتلاع الروح عن الجسد . وياله من محظوظ ذلك أسود العينين الذي يبدو أن روحها تعود ثانية لتطفأ ظمأ الجسد منه .

تلكَ الطفلةُ التي كنتُ
أتتني يوماً
وجهاً غريبا
ًلم تقل شيئا
ًمشينا
وكلتانا ترمُقُ الأخرى
بصمتٍ
خُطانا
نهران متباعدا الضفاف
ِكنّا قد عُدنا
من ذاك الزمن المُسيّجِ بالحدودو
هنا تجمعنا غابة مسيّجة بالأحلام
ِترويها ذكريات عابرة
في سماء الوجود
حين تحلق الروح وتنطلق فلن يكون صعبا عليها أن تقابل من تحب . هل تتخيل معي الشاعرة وهي تمشي مع نفسها وهي طفلة .!!! الصورة جميلة وتوحي بالكثير من الدهشة والتساؤلات . جائتها الطفلة التي كانت هي يوما ما ، كانت غريبة عليها ولم تقل شيئا . اكتفيا بالمشي وكل منهما تنظر للأخرى . ولعل مايذكره الاثنان أنهما عادا من عالم محكوم بحدود وقواعد صارمة ، لينسجا غابة الأحلام الضائعة والتي تشكل الذكريات معظم معالمها.

لماذا بالذات كانت المقابلة مع ( الطفلة التي كنت ) ؟!! إذا لم تكن من إجابة محددة ، فبعض الكلمات قد تكون مفتاحا للفهم. عدنا – الزمن المسيج بالحدود – غابة الأحلام – ذكريات عابرة – سماء الوجود. ربما كانت هي محاولة لفهم أسباب ضياع الحلم معها وأيضا مع ( الطفلة التي كنت ).!! حتى أنها تطمئنها فكل ماتريده هو الفهم : ماذا يجمعنا يا صغيرتي بعد أن ضاع الحلم والخيال ؟!!

أيّتها الطفلةُ التي كنتُ ..
اقتربي ..
لا تجزعي ..
فقط أسألكِ :
ما الذي يجمعنا الآن؟؟

ليس هناك في مثل تلك المواقف من إجابات شافية ومقنعة وتتيح القدر الذي يكفيها من الفهم . مالذي يجمعنا ؟!! ( فقاعات هو الزمن )، (والعمر دم يتخثر)، (والأيام قبور للروح والجسد) . وليس عليها سوي ترقب الفضاء لعلها تشهد انشقاق تلك الفقاعات . طلاسم ولوحة سريالية جميلة لكنها تعطينا قدر من الفهم والإدراك بمعاناة تلك الروح الشاردة .

هو ذا الزمن فقاعات
و العمر
ُدمٌ يتخثر
و الأيام قبور
ففي أيّ فضاء ستنشقّ الفقاعات؟

ربما كان عدم النوم نوعا من العلاج ونوع من الجهد المضني للفهم . وكما أسلفت فعدم النوم يصل بالروح لحالة من الانفصال الروحي . أو هل تتخيل معي أن عدم النوم يمكن أن يكون مفيدا للبحث عن ( الدروب ) أو ( معرفة ما يطويه الظلام ) . حتى لو غامرت بعد كل معاناة عدم النوم بدخول الزحام !!! إنها لحظات نادرة معاشة لروح هائمة ، استطاعت الشاعرة أن تكون شاهدة علي روحها في تسجيل لحظاتها .

حسناً
لن أنام
سأحاول تقرّي دروبي
و معرفة ما يطويه الظلام
سوف أدخل هذا الزحام

- يتبع –
.

الأربعاء، يوليو ١٨، ٢٠٠٧

6 - قراءة الشعر. قصيدة أصداء في ملكوت الصمت للشاعرة شهرزاد

ما رأيكم أن نقرأ قصيدة " أصداءٌ في مَلَكوتِ الصّمتْ " والتي كتبتها الشاعرة الرقيقة عودة أو ليا أو كما أحب أن أسميها شهرزاد . لا أدري لماذا توقفت طويلا أمام تلك القصيدة بالذات. اعتقد أن لدي أسبابي ولأكن أكثر دقة، لعل هناك أسباب شعرت بها تخص الشاعرة قبل غيرها. أتابع قصائد شهر زاد واستمتع بقراءتها حتى إنني قرأت قصيدتها الرائعة " حماقات امرأة من ثلج ونار " عدة مرات. استمتعت بها كل مرة كنت أقرأها، واستمتعت أيضا وأنا أكتب عنها محاولا فهمها وتحليل مشاعر شاعرة عاشقة. أختار ثانية قصيدة تبدو صعبة للغاية وتحتاج لقراءتها كثير من الصبر والفهم . لعل محاولتي تحوذ رضا القارئ ...

أصداءٌ في مَلَكوتِ الصّمتْ


تيهٌ بيْنَ بيْنْ
و أسألُ كيفَ و أينْ؟

أكانتْ دربي طويلة

أم مرّة أخرى

خانني العطشُ
و سرابٌ كانت "العينْ"؟


بصمتٍ

اقتلعتُ نفسي
و حيث كنتُ

عُدتُ

و بصمتٍ

أطفأتُ عطشي
من أسودِ العَيْنَينْ



تلكَ الطفلةُ التي كنتُ

أتتني يوماً

وجهاً غريباً
لم تقل شيئاً

مشينا

و كلتانا ترمُقُ الأخرى

بصمتٍ
خُطانا

نهران متباعدا الضفافِ

كنّا قد عُدنا

من ذاك الزمن المُسيّجِ بالحدود

و هنا

تجمعنا غابة مسيّجة بالأحلامِ
ترويها ذكريات عابرة

في سماء الوجود


أيّتها الطفلةُ التي كنتُ
..
اقتربي ..
لا تجزعي ..
فقط أسألكِ :
ما الذي يجمعنا الآن؟؟


هو ذا الزمن فقاعات

و العمرُ

دمٌ يتخثر

و الأيام قبور

ففي أيّ فضاء ستنشقّ الفقاعات؟


حسناً

لن أنام
سأحاول تقرّي دروبي

و معرفة ما يطويه الظلام
سوف أدخل هذا الزحام


خطوة

خطوتان

ثلاث


فقاعة آولى
...
حطام
فقاعة ثانية
...
ركام
فقاعة ثالثة
...
أوهام

من سيكون شاهداً عليها

سوى الأموات؟

ها أنا في فقاعة الكلام

ورقة شاحبة صفراء

و أردّدُ بغباء
:
فقاعاتٌ
فقاعاتٌ

فقاعاتْ


فقرّرتُ إذاً

أن سأنام

لم يبقَ من الحلم

مايشيّع جنازة فجر
ليس يأتي

لماذا وُجِبَ على الأحلام

أن تتساقط كالمطر
قبل الأوان؟
أمِنَ العدل أن يستفيق الفجر

وعلى خدّه قطرةٌ
حمراء؟

تقتلنا الأحزان طعناً

بحقائق الزمن
بِيدَ أنّ الحلم يحتضر
عمراً تائباً
عن خطيئة الوجود!


لو ...
يتورّد وجه الأفق
لكان الأمل أخضر

لو
...
يتفتّح صدر الأرض
لكان المطر أغزر

خُطانا
...
ورقٌ يرتمي في حُفَر
ماذا لو يغمر الصمتُ

هذي الحُفَر؟
لو سألنا
:
كيف لا يغسل الماء هذا الثمر؟
أتُراهُ يجيب الشجر؟

ربّما
..
لو ..
إذا ..


قرأتُ كفّ الصمتِ و قلتُ :
هذا زمنٌ يتفتّح في رحم الأشلاء
كتبتُ
:
هذا زمنٌ نشهد فيه
كيف يُرَبّي الموتُ الأرض

و كيف يخون الماءُ الماء


تلك البراعم التي انتظرت الربيع

ماتت

و الشمس

ما زالت تسطع في قُمقمٍ أو تكيّة
على ركام أوجاعنا الأزلية


إنها لحظة الخرافة
إنها رعشة الوصول

إلى آخر المسافة


هذا الصمتُ / الموتُ

إنّه العريُ

يكشف عن جثث الكلمات

إنّه الكونُ

تذبلُ في أعماقه الزفرات
ضاعت في متاهاته

النارُ
و تلاشت في دروبه

الآثارُ


إنّه الصمتُ

يرنو إلى الناس
يعشقُ سكون الفضاء

و ذاك الغبار

شرارةٌ على الجبين
تقتحمُ خطوط الحنين

لـ ينشقّ الوجه عن نصفين

ألمٌ

و

أنين

أيّها الصمتُ

أنت ذاك العبور الذي يتقرّاه البشر

كي تولدَ في كلّ المعاني

دون أن يسمعك أحدٌ

دون أن يراك أحد


الأحد، يوليو ١٥، ٢٠٠٧

5 - قراءة الشعر. " قصيدة مطر مطر مطر للشاعر البحريني الشاب احمد رضي "

.
لنقرأ تلك القصيدة الجميلة لشاعرنا الشاب احمد رضي ثم نتحدث قليلا عنها. القصيدة بعنوان مطر... مطر ... مطر.

حين يهطلُ المطرْ
ألوذُ بمحراب الصمتِ

أريدُ أن أُصغي
..
لما تقولهُ السماء ْ !

أحبُ المطر
ـ خاصةً في بلادي ـ
ففيهِ ترفعُ النساءْ
أثوابهنَّ السوداءْ !

في المطر
ينتفخُ القلبُ ..
كالخبزِ ..
في فرنِ صدري !

أتحدى المطر
أصرخُ كالذئبِ
وأرقصُ كالمخبولِ
وأكسبُ الرهان !

عندَ المطر
أحضنُ نفسي ..كالقنفذ
كي لايتسربَ الفرحُ ..
خارجَ جسدي

.
أول ما يسترعي الانتباه في تلك القصيدة هو الإيقاع الموسيقي الراقص، وتبدأ أول خطوة في الرقصة من عنوان القصيدة. اقرأ معي - ثانية - العنوان: مطر ... مطر .. مطر . ألا تجد انك تقرأ تلك الكلمات وفق إيقاع موسيقي ما. إذا هي أشبه بدعوة لحفل موسيقي راقص يلعب فيه المطر دور الاوركسترا...
حين قرأت تلك القصيدة للمرة الأولي تذكرت زوربا اليوناني . في رائعة كازنتزاكي . كان زوربا يحل تفاهمه ومشاكله وعلاقته بالغير عن طريق الرقص. في شبابه تعرف بأحد الحانات الفقيرة علي احد الجنود الروس الذين شاركوا في الثورة البلشفية. غير أن سمع الجندي كان ثقيلا لدرجة الصمم، بالكاد كان يتابع حكايات زوربا من خلال النظر لشفاهه والتحديق المستمر بوجهه. وكثيرا ماكان يصرخ في وجه زوربا مقاطعا إياه : هه. ماذا تقول؟ ارفع صوتك. وتفتق ذهن زوربا علي أن يرقص له ما يريد قوله. وكان الجندي يرد علي حكايات زوربا أو بالأحري رقصه برقص مماثل لحكايات أخري. واستطاعا الاثنان أن يتواصلا ويحكيان عن كل شئ - بما في ذلك علاقتهما بالنساء – بواسطة لغة مشتركة سهلة علي الفهم وأسهل عند الحديث بها. كانت لغتهما الرقص والرقص فقط.
المؤكد أن الرجال المنتمين لزوربا - رغم قلتهم - إلا أنهم مخلصين لمبادئه في الحياة، وفلسفته في التعايش مع الغير خاصة مع النساء. وأزعم أن الشاعر واحدا منهم.
.
حين يهطلُ المطرْ
ألوذُ بمحراب الصمتِ
أريدُ أن أُصغي ..
لما تقولهُ السماء !
.
بعد العنوان الراقص تجئ المقدمة الموسيقية غير أنها خادعة تماما. يحاول الشاعر بدهاء أن يبدي حكمته فيلوذ (بمحراب الصمت) لأنه (يريد الإصغاء) لما تود السماء قوله.
تري هل سيواصل حكمته بعدما أصغي للسماء.؟!! وإيهامنا بأنه رجل فلسفة وتقوي. دعونا لا نستعجل ونري.
.
أحبُ المطر
ـ خاصةً في بلادي ـ
ففيهِ ترفعُ النساءْأثوابهنَّ السوداءْ !
.
هو لا يحتاج لكثير من الوقت أو الكلمات ليقول لنا ما فهمه وهو مختلي بنفسه في محراب الصمت. ففي المقطع الثاني مباشرة يقفز ببراعة هر بري ليبين لنا السبب الحقيقي لحبه للمطر في بلاده. فالنساء يرفعن أثوابهن ( السوداء ) والتي لابد وأن تكشف عن سيقان جميلة.
لكن لماذا يحب الشاعر المطر خاصة في بلده؟ هل المطر الذي يسقط فوق لندن مثلا أو نيويورك أو موسكو يختلف عن المطر الذي يسقط في بلاده؟.!! الفارق في موقف الشاعر هو المرأة. المرأة الشرقية جميلة ومثيرة وتملك الكثير من عناصر الأنوثة والفتنة، وللأسف فإن كل ذلك حبيس ثيابها السوداء، والمطر هو المناسبة الوحيدة الذي يجعل المرأة ترفع ثيابها اتقاء للبلل وللأوحال ليظهر ما خفي من جمال وأنوثة تخفيها تلك الثياب السوداء التي ترتديها. شكرا للمطر.
.
في المطر
ينتفخُ القلبُ ..
كالخبزِ ..
في فرنِ صدري.!
.
يا لجمال التعبير والوصف والتشبيه. من الأمور المحببة لنفسي – وحتي الآن – مراقبة رغيف الخبز وهو ينتفخ داخل الفرن معلنا قربه للنضج. من يشعر بجمال تلك اللحظة سيتداعى لذهنه الكثير من الصور الأخرى. الدف المنبعث من الفرن خاصة في الشتاء، وهج النار البرتقالي ثم الخبز وهو ينتفخ واحدا بعد الآخر. نجح الشاعر وبكلمات قليلة للغاية أن يجعلني أحس معه بالحالة التي يعيشها وقت المطر .
.
أتحدى المطر
أصرخُ كالذئب
ِوأرقصُ كالمخبولِ
وأكسبُ الرهان !
.
هل شاهد أحدكم رقصة كيفن كوستنر الشهيرة في فيلمه الجميل الراقص مع الذئاب؟! كان يرقص وعلي مرمي حجر منه ذئب كبير يراقبه باهتمام بالغ. ورغم الخطوات الغريبة التي كان يرقص بها حول النار المشتعلة إلا أن كوستنر أدي رقصة ممتعة وجميلة استحق بعدها تلك الصرخات العميقة كتحية له من صديقه الذئب.
هي حالة من النشوي قد تأتي بسبب المطر أو لغيره من الأسباب. وفي قصيدتنا تجعل الشاعر يتحدي المطر فيصرخ كالذئب ويرقص كالمخبول. لكن أي رهان يكسبه.؟ لعله رهان المتعة التي اكتسبها بعد الرقص ولعله رهان مقدرته علي الرقص ولا يهم الخطوة التي يرقص بها فالأهم أن يرقص.
.
عندَ المطرأحضنُ نفسي .. كالقنفذ
كي لايتسربَ الفرحُ ..
خارجَ جسدي
.
صورة أخري جميلة ومعبرة عن تلك الحالة التي تولد فرحا داخليا يجعل الشاعر (يحضن نفسه كالقنفذ) كي لا يتسرب (من فرحه) أي شيء خارج الجسد.
صور متتالية وجميلة ومفردات بسيطة ولكنها غنية بالمعاني وبالإيقاعات الراقصة والكل من نبت الأرض التي يحيا فوقها الشاعر.

.

الأربعاء، يوليو ١١، ٢٠٠٧

4 - قراءة الشعر " تكملة قراءة قصيدة امرأة من ثلج ونار "

.
لطالما رقصَتْ أحاسيسي على وهْمِ خطواتك
في يقظتي
كما في حلمي
فأحالَتني لحناً
تائهاً
منفرداً
على وترِ الأنين المشدودِ بين مسافتين
أنتَ فيهما
الصدى والقرارْ
.
وهي تتابع بأن أحاسيسها ترقص في اليقظة وفي المنام علي وهم خطواته.! هل تتخيل معي امرأة ترقص علي إيقاع وهمي ، إيقاع يشكله وهم أصوت لخطوات العاشق وما يعنيه من ترقب وفرحة وملل وحزن وأمل أثناء الرقص.؟! لا أعتقد أن جمال التعبير بحاجة لمزيد من التأويل. تركيبية سحرية أخري تقدمها لنا الشاعرة برفاهة حس وصدق وجمال. فأعيد قراءته مرة بعد أخري رغم انه يشكل لوحة فنية عالية القيمة والحزن. ( فالرقص) علي ( وهم الخطوات )، ( واللحن تائه ومنفرد ) ( والوتر هو أنينها ) والرجل في تلك المعزوفة يشكل تلك المعزوفة الحزينة فهو الصدى وهو القرار.
.
لا أدري إن كان أحد لاحظ أن القصيدة تتكون من سبعة مقاطع وكل مقطع يتكون من سبعة أبيات . هل تود الشاعرة أن توحي لنا بأن كل مقطع هو حلم خاص بأحد أيام الأسبوع؟ وأن أحلامها أو لنقل أيامها تتوالي علي هذا النهج ( البداية – تحليق – صدي - رحيل – موت – قدر ثم وداع ) ثم تعود ومع قدوم اليوم الثامن لتبدأ من جديد .
.
( صدى )
سأتسرّبُ من عينيكَ دمعةً
و أمسحُ عن وجهكَ حزني
سأزيلُ عنكَ الظلمة
و أدندنُ لكَ آيات صمتي
في حزني وفي فرحي
سأفتحُ لكَ بابَ قلبي
كي تهجرهُ بعدَ الحطام
.
في المنولوج الثالث أو الحلم الثالث أو حلم ثالث يوم ، أو الصدى . تعبر الشاعرة عن التوحد الكامل مع العشيق حتى لو كان كل ذلك التعبير هو مجرد صدي لصوتها. فهي ( تتسرب ) من عينيه ( دمعة ( وتمسح عن وجهه ( حزنها ) و( ستزيل ) عنه ( الظلمة ) و( تدندن ) له بآيات صمتها في الحزن والفرح ثم ( ستفتح ) باب قلبها كي يهجره بعد الحطام.!! هي عاشقة قديرة تعرف كيف تعشق ، فالفعل كله في فن العشق لها إلا الهجر فهو له.
.
( رحيل )
سيّدي :
أرجو منكَ أن تزرعني
في أبعدِ زاويةٍ من قلبك
لأنام فيها إلى الأبدْ
فأنا لستُ في كيانكَ
سوى امرأةً منسيّةًل
كنكَ في كياني
لن تكونَ رجلاً منسيّاً
.
الحلم الرابع بسير بنفس وتيرة العشق والتفاني. فهي إذا كانت امرأة منسية في كيان الرجل حتى لو زرعت بأبعد زاوية من قلبه، فهو لن يكون منسيا في كيانها بل سيظل الحبيب والعاشق والحاضر والغائب.
..
( موت )
أنا ياسيّدي
خليطٌ من ثلجٍ ونارْ
وكفرٍ وإيمانْ
لايستطيعُ أحدٌ أن يُذيبني ويُحييني
لايستطيعُ أحدٌ أن يُفرّقَ بين نصفي وبيني
لكنّك سيّدي تستطيعُ أن تُعيدَ تكْويني
.
لا أدري لماذا سميت الشاعرة الحلم الخامس بالموت ؟!! فأنا أراه عكس ذلك تماما فهو ينبض بالحياة والجمال. في هذا الحلم تواجه العشيقة رجلها وتعرفه ما هي طبيعتها وكيف يمكنه التعامل مع تركيبتها الغريبة والثرية. فنصفها - ولعلها مشاعرها - خليط من برودة الثلج ولفحة النار، والنصف الآخر من الكفرٍ والإيمان. الكفر بماذا، والإيمان بماذا؟ هل نأخذهما علي المعني المطلق للكلمتان؟ لا أعتقد ذلك. هي تعني بالمقام الأول موضوعها المتجدد والدائم وأحلامها السبعة وهاجسها كله يدور حول موضوع واحد هو علاقتها بالحبيب. وليس بمقدور أحد أن يفعل شيئا إزاء تلك التركيبة الرائعة. فلا هو بقادر أن يذيب الثلج الذي بداخلها إذا ما تراكم، وأيضا لا أحد يستطيع أن يطفأ النار المتقدة إذا ما اشتعلت. لا يستطيع أحد – أيضاً - أن يغامر بالقفز لمنطقة الكفر والإيمان فيتلاعب بتلك القيم التي تشكل نوعا من الوحدة العضوية بالنصف الأول. هي ببساطة مخلوقة كذلك، ومن العبث أن يحاول الرجل التعامل مع أي جزء بمفرده. أو التفرقة بين نصفيها وبينها. عليه بقبول التركيبة أوالخلطة كما هي، وكل ما يمكنه عمله أو ماهو مسموح له به هو أن يعيد تكوينها. مهمة صعبة للغاية لكنها ليست بالمستحيلة لرجل يفهم أصول العشق بامرأة من هذا الطراز .وإذا كان نصفيها هكذا ( ثلج ونار – كفر وإيمان ) فماذا تعني ( لايستطيعُ أحدٌ أن يُفرّقَ بين نصفي وبيني )، هل هناك من عناصر أخري لا تزال تشكل تلك المرأة ؟ يبدو الأمر كذلك. ربما هي تعني الروح أو العقل أو كلاهما. ربما كان هناك الكثير المخفي عنها وعنا. تلك هي طبيعة الخلق. فحين يفتش المرء بداخله سيجد مالم يكن يتوقعه. من أجل كل ذلك قلت أنها ليست بالمرأة التابعة أو المنقادة لنزوات العشيق. هي تعشق بطريقتها وحسب ما يملي عليها تكوينها الغريب والجميل والمركب من ردة أفعال، حتى لو فر العاشق من أسرها لأنه ببساطة لم يقدر علي التعامل بإعادة تكوين تلك الخلطة الغريبة.
.
( قدر )
قدَري ياسيّدي
يتحدّى الأماني والأحلام
فهي زهورُ حقولي التي
زرعتها لِغَدي
ولمْ أُهمل يوماً تفقّدها
ولا رعايتها
قدَري ياسيّدي يسيّجها
ويتركها تموتُ منَ العطشِ
فهي ليسَتْ سوى
مجرّد عواطفي
.
هل من عاشق يستطيع التحكم بقدره؟ يبدو أننا جميعنا في العشق شرق.!! فتلك طبيعة عشقنا ولا مفر من أن يكون القدر شريكا لنا فيما نفعل أو نقرر, فالقدر هو الذي يقول كلمته الأخيرة .والشاعرة مدركة لذلك فهي تتحدث عن ( قدرها ) الذي يحاصر ويخنق ولا يترك زهورها وعواطفها إلا ميتة من العطش وكأنه نوع من التسليم المبرر بتصرفات القدر وأفعاله.
.
( وداع )
لكَ الحبُّ ياسيّدي
أيْنما كنتَ
.
ألم أقل لكم؟!!!
.
.

الاثنين، يوليو ٠٩، ٢٠٠٧

3 - قراءة الشعر ( قراءة لقصيدة شهرزاد امرأة من ثلج ونار )

منذ اللحظة الأولي تدهشنا شهرزاد بعنوان القصيدة . ويزداد لدينا الفضول لأننا سنتعرف علي حماقات امرأة، ولكننا نكتشف وللوهلة الأولي أيضا إنها ليست امرأة مثل الباقين، فتكوينها يختلف، فهي مخلوقة من الثلج والنار. قسمة تبدو عادلة وتوحي بالكثير ليزداد الفضول ويتصاعد لمعرفة كيف تكون حماقات تلك التركيبية السحرية. ومن أين تأتي تلك الحماقات، هل من الثلج أم من النار، أم من ذلك التجانس بين الثلج والنار. ليس التجانس بمعناه الفيزيائي، انه شئ آخر لا يمكن التنبؤ به أو معرفته إلا إذا ملكت أقدارك لتلمسهما معا دون أن تصرخ أو تتوجع. هل لأحد أن يتخيل – مجرد التخيل – منحوتة رائعة لامرأة عاشقة دافئة المشاعر والجسد والروح، لكن تلك المنحوتة ولبراعة الفنان فقد صنعها من الثلج والنار. ذلك شيء يصعب علينا – بالتأكيد - تخيله إلا إذا حلق بنا الخيال في أودية الأساطير وكهوف السحرة. فما بالك ونحن أمام نموذج حي لتلك المرأة. فهي تصرخ وتأكل وتقول وتشرب وتئن وتضحك وتمرح وتلهو وتغني وتقفز وترقص وتحلم وتعشق.

أنها ورغم الثلج والنار أشبه بالنمرة البرية. لا يستطيع أحد أن يروضها أو يقترب منها، هكذا هم النمور في البراري. لكنها حين تختلي بنفسها تتذكر أنها إمرة وربما لا يضاهي جمالها ورقتها أية امرأة أخري فتبدأ في البكاء الصامت والتفكير العميق. هل تأذن سيدتي أن أبدأ معها من البداية؟َََ هي توافق بل وتسهل الأمر علينا فهي أشبه بمن يجلس علي كرسي الاعتراف وتجد متعة أن تعترف لنا بكل شئ . لنخطو الخطوة الأولي تجاه حماقات تلك المرأة..
.
البداية
يوقظني الصباحُ على بقايا احتراقٍ باردٍ
مبعثرٍ في كفّ القدر

البداية ليست مشجعة علي الإطلاق، ولا تنبئ عن أية حماقات قد تبدأ بها يومها. فهي لا تستيقظ صباحا لتمارس تلك الحماقات التي وعدتنا بها بل لتزيد من دهشتنا. يوقظها الصباح ولعله ضوء الفجر الشاعري ونسماته الرقيقة. ليس الأمر كذلك معها فهي تستيقظ علي بقايا احتراق بارد.!! والقسوة في التعبير والإحساس بفعل الحرق مؤلم، فهو ليس احتراقا كأي احتراق ولكنه احتراق بارد وكأنه علي نار هادئة لكنها مركزة تحرق بقسوة وإصرار. أكاد أشم أحلامها وروحها تحترقان حتى أنها تستيقظ بفعل الاحتراق وليس بفعل قدوم الصباح أو الفجر الرومانسي كما تخيلت. وبكلمات قليلة ترسم لنا صورة بانورامية هائلة. فهو ليس بالاحتراق الواحد وليس بالأول ولن يكون بالأخير. فهو مبعثر هنا وهناك ولا مفر منه، فالقدر يحتويه في يده ويحكمه بفكرنا. وهي بهذا الفهم ( الأسطوري ) حكمت علي نفسها بالاحتراق كل صباح.
.
كقطرات الندى المتهالكةِ عشقاً
على أوراقِ الورودْ

ومع كل تلك المعاناة لها ولنا فهي تصر علي زيادة الدهشة عندنا، فتجذبنا لدائرة من الجمال والرقي في التشبيه والفهم الإنساني الرائع لتجربة الاحتراق. لم تندب حظها أو قدرها أو تبدأ في الصياح والعويل ولطم الخدود. هي لا تفعل ذلك فهي أشبه في تصرفاتها بنبل الملكات والأميرات الأسطوريات. لم تفعل، ولم تشبه كل ذلك بشئ مفزع ومخيف - وسيكون لها كل الحق لو فعلت – لكنها بكل رقة المرأة العاشقة تشبهه بقطرات الندي المتهالكة عشقا علي أوراق الورد. أية حماقة نبيلة تبدأ بها هذه العاشقة يومها.

فأبحثُ في رمادِ الحلمِ عن زوبعةٍ
زمْجرَتْ شوقاًوحطّمَتْ كلّ القيودْ

ما هذه التركيبة الرائعة الجمال والقسوة.؟ ها لنا أن نتخيل حلم يحترق وليس لدينا من أثره سوي قليل من الرماد. التركيبة قاسية وتجعل الخيال يقفز لأولئك الذين يحرقون جثث أحبائهم ثم يحتفظون ببقايا الرماد للجثة المحترقة في قنينة جميلة يضعونها بأحد الرفوف الزجاجية. لكن في حالتنا فهي لن تحتفظ بذلك الرماد في أحد الرفوف الزجاجية الجميلة بمخيلتها ولا حتى بأشعارها. المرأة هنا بالفعل هي من نسيج آخر فهي وان قبلت احتراق الحلم وقبلت بالرماد المتبقي منه، فهي ستواصل سعيها وبحثها عن حلم آخر يبدو بعيدا وعسير المنال. لكنها تفعل وبإصرار. البحث في الرماد عن الزوبعة المباركة التي تزمجر بالشوق وتحطم كل القيود. يالها من حماقة أخري نبيلة وشريفة، لا يقدر عليها سوي ذلك الطراز الفريد من العاشقات.

أصافحُ الغيمَ المتجمّعَ حولَ فجوةٍ
بزَغْتَ منها ضياءً في سماءِ الوجودْ
وأعانقُ طيراً عبثَ بشعري بحماقةٍ
وتناثرَتْ من جناحيهِ
آلاف الوعودْ

وهي ببحثها – عن المستحيل – وجدت عالمها السحري الآمن والجميل. غيماً تصافحه وضياءً في سماء الوجود وطيراً ( تعانقه ) وهو( يعبث) بشعرها بحماقة!!! وينثر من جناحيه آلاف الوعود.

فألمْلِمُ شتاتَ أوهامي
وأنتظرُ طيفكَ
رجلاً عائداً في ليلةٍ عاصفةٍ
معزوفةٍ بالرعودْ
ولستَ تأتي

وحين تفيق من حلمها البديل الذي انتزعته من بقايا الرماد تشعر بالوهن، فتلملم شتات روحها وتعترف بأن ما كان من أحلام لا يزيد عن أوهام عاشقة فتغرق في حلم آخر أقرب للواقع من الخيال والوهم، فهي تنتظر طيف رجلها العائد في ليلة عاصفة مليئة بأصوات الرعد. ورغم كل ذلك ولأنه سيأتي هذه الليلة فستصبح ليلة أشبه بالمعزوفة الجميلة. لكنه لا يأتي. أي رجل هذا يستحق كل هذه الحماقات الرائعة؟!!

نحن إذن أمام تجربة إنسانية جميلة وراقية وثرية لإمرأة عاشقة ليس لديها من أسلحة سوي حلم محترق يأتيها كل صباح ، وفي بقايا الرماد المتخلف تنبش باحثة وسطه عن أحلام أخري لتخلق أحلاماً تتوالد وتتكرر بأشكال وتعبيرات مختلفة. تعيش صباحها وربما يومها علي تلك الأحلام المستحيلة التحقيق..هي أشبه بملاك يعشق ولا يجيد سوي الحب والحلم وإيجاد العذر لمعشوقه فمن أجل هذا السبب خلق وليس له من عمل يؤديه غير ذلك.
ولكنها ورغم وقوعها في محظور الملاك حين يعشق فهي تود الطيران والتحليق كعصفور صغير يأس من مقدم شريكه فقرر التحليق. إلي أين؟!! ربما للبحث عنه .. وحتى وهي تنوي علي ذلك فهي لاتزال أسيرة هواه ولابد لها من أن تصرح له بمبررها في التحليق.

تحليق
سيّدي الرقيقْ
اعتزلتُ الانتظارَ المريرْ
اعتزلتُ خفقات قلبي الصغيرْ
اعتزلتُ حنيناً
يتغلغلُ بين أوْرِدتي وعروقي
عابثاً
متفاتناً
بكلّ تفاصيلِ الزوايا المرصوفةِ بالجليدْ

وتبدأ بعبارة ترضي غرور الرجل: سيدي الرقيق.!! ثم لا تقل له أنها كرهت الانتظار المرير، أو كرهت خفقات قلبها الصغير أو كرهت الحنين الذي يسري ويتغلغل في دمها عابثا متفاتنا. لكنها تخبره بأنها قررت اعتزال كل ذلك. والفارق كبير بين أن تكره أو تستخدم كلمة أخري بذات المعني و لان تعتزل. الكراهية تؤدي لتشويه المعني وتقبيحه ومع الأيام تضيع معالمه وتظل نار الكراهية تحصد قلب صاحبها. أما اعتزال ما قررت هي اعتزاله فكل شئ سيظل موجوداًُ وكما هو جميلا متعافيا ينطق بالحضور وليس علينا سوي الابتعاد عنه وعدم الاقتراب منه. هل هي صادقة أو قادرة بالفعل علي اعتزال ( خفقات قلبها ) أو ( الحنين ) الذي يسري في ( أوردتها وعروقها ) إن استخدامها لتلك التعبيرات وما تتضمنه من معاني يوحي بأنها لن تقدر فيزيائيا علي الأقل علي ذلك. هي إذن مجرد محاولة لعتق روحها من أسر العشيق. وبالتأكيد هي ليست بمسلوبة الإرادة أو هي تابع بلا فهم أو إرادة لهذا العشيق القاسي. هي مجرد امرأة عاشقة، أسيرة لحظة من لحظات مراجعة النفس ولم شتات الروح لتقرر بكل شجاعة كيف هي المرأة حين تعشق.

لا ينبغي لأحد أن يلومها فهي كما ذكرت طراز خاص وحالة خاصة بتركيبية غاية في الخصوصية. هي بإيجاز نموذج يعلمنا كيف يكون العشق والذوبان في الحبيب. تري هل تقدر علي الفرار من الأسر؟!!
ما هي تلك الزوايا المرصوفة بالجليد؟!! هل هي أماكن بعينها تظل في خيال وذاكرة العاشق أو العشيقة لأنهما مرا بها حتي لو كانت مكسوة بالجليد. أم إنها زوايا جسد الحبيب فالحنين يظل قائما له حتي لو اكتسي ببرودة المشاعر. يبدو لي ان التفسير الثاني أقرب لفهم ( حنين ) العاشقة ( العابث المتفاتن ) لزوايا جسد الحبيب منه لزوايا الأماكن.
.

الأحد، يوليو ٠٨، ٢٠٠٧

2 - قراءة الشعر وقصيدة حماقات امرأة من ثلج ونار.

لنبدأ بقراءة تلك القصيدة الجميلة للشاعرة عودة أو ( شهرزاد ). وهي بعنوان (حماقات امرأة من ثلج ونار). وكل ما أعلمه عن الشاعرة أنها تكتب معي بنفس المنتدى. وهي كاتبة متميزة سواء في أفكارها أو طرحها للجميل والجيد من الموضوعات. وهي قبل كل ذلك شاعرة مرهفة وصادقة ورقيقة لأبعد الحدود. لا أعلم اسمها الحقيقي، وأسمها بالمنتدى هو ( عودة / ليا ). وقد أطلقت عليها اسم شهرزاد أيضا وصارت تعرف بهذا الاسم أيضاً.
.

1- ( بداية )
يوقظني الصباحُ على بقايا احتراقٍ باردٍ

مبعثرٍ في كفّ القدر
كقطرات الندى المتهالكةِ عشقاً
على أوراقِ الورودْ
فأبحثُ في رمادِ الحلمِ عن زوبعةٍ

زمْجرَتْ شوقاً
وحطّمَتْ كلّ القيودْ
أصافحُ الغيمَ المتجمّعَ حولَ فجوةٍ

بزَغْتَ منها ضياءً في سماءِ الوجودْ
وأعانقُ طيراً عبثَ بشعري

بحماقةٍ
وتناثرَتْ من جناحيهِ
آلاف الوعودْ
فألمْلِمُ شتاتَ أوهامي
وأنتظرُ طيفكَ
رجلاً عائداً
في ليلةٍ عاصفةٍ
معزوفةٍ بالرعودْ
ولستَ تأتي


2
( تحليق )

سيّدي الرقيقْ
اعتزلتُ الانتظارَ المريرْ
اعتزلتُ خفقات قلبي الصغيرْ

اعتزلتُ حنيناً

يتغلغلُ بين أوْرِدتي وعروقي
عابثاً

متفاتناً
بكلّ تفاصيلِ الزوايا المرصوفةِ بالجليدْ
لطالما رقصَتْ أحاسيسي على وهْمِ خطواتك

في يقظتي

كما في حلمي
فأحالَتني لحناً

تائهاً
منفرداً
على وترِ الأنين المشدودِ بين مسافتين
أنتَ فيهما
الصدى والقرارْ

3
( صدى )
سأتسرّبُ من عينيكَ دمعةً

و أمسحُ عن وجهكَ حزني

سأزيلُ عنكَ الظلمة

و أدندنُ لكَ آيات صمتي

في حزني وفي فرحي
سأفتحُ لكَ بابَ قلبي
كي تهجرهُ بعدَ الحطام

4
( رحيل )

سيّدي
:
أرجو منكَ أن تزرعني
في أبعدِ زاويةٍ من قلبك

لأنام فيها إلى الأبدْ
فأنا لستُ في كيانكَ

سوى امرأةً منسيّةً
لكنكَ في كياني

لن تكونَ رجلاً منسيّاً

5
( موت )
أنا ياسيّدي

خليطٌ من ثلجٍ ونارْ
وكفرٍ وإيمانْ

لايستطيعُ أحدٌ أن يُذيبني ويُحييني

لايستطيعُ أحدٌ أن يُفرّقَ بين نصفي وبيني

لكنّك سيّدي

تستطيعُ أن تُعيدَ تكْويني

6
( قدر )

قدَري ياسيّدي

يتحدّى الأماني والأحلام
فهي زهورُ حقولي التي

زرعتها لِغَدي
ولمْ أُهمل يوماً تفقّدها

ولا رعايتها

قدَري ياسيّدي يسيّجها

ويتركها تموتُ منَ العطشِ
فهي ليسَتْ سوى

مجرّد عواطفي

7
( وداع )

لكَ الحبُّ ياسيّدي

أيْنما كنتَ

.