الاثنين، يوليو ٠٩، ٢٠٠٧

3 - قراءة الشعر ( قراءة لقصيدة شهرزاد امرأة من ثلج ونار )

منذ اللحظة الأولي تدهشنا شهرزاد بعنوان القصيدة . ويزداد لدينا الفضول لأننا سنتعرف علي حماقات امرأة، ولكننا نكتشف وللوهلة الأولي أيضا إنها ليست امرأة مثل الباقين، فتكوينها يختلف، فهي مخلوقة من الثلج والنار. قسمة تبدو عادلة وتوحي بالكثير ليزداد الفضول ويتصاعد لمعرفة كيف تكون حماقات تلك التركيبية السحرية. ومن أين تأتي تلك الحماقات، هل من الثلج أم من النار، أم من ذلك التجانس بين الثلج والنار. ليس التجانس بمعناه الفيزيائي، انه شئ آخر لا يمكن التنبؤ به أو معرفته إلا إذا ملكت أقدارك لتلمسهما معا دون أن تصرخ أو تتوجع. هل لأحد أن يتخيل – مجرد التخيل – منحوتة رائعة لامرأة عاشقة دافئة المشاعر والجسد والروح، لكن تلك المنحوتة ولبراعة الفنان فقد صنعها من الثلج والنار. ذلك شيء يصعب علينا – بالتأكيد - تخيله إلا إذا حلق بنا الخيال في أودية الأساطير وكهوف السحرة. فما بالك ونحن أمام نموذج حي لتلك المرأة. فهي تصرخ وتأكل وتقول وتشرب وتئن وتضحك وتمرح وتلهو وتغني وتقفز وترقص وتحلم وتعشق.

أنها ورغم الثلج والنار أشبه بالنمرة البرية. لا يستطيع أحد أن يروضها أو يقترب منها، هكذا هم النمور في البراري. لكنها حين تختلي بنفسها تتذكر أنها إمرة وربما لا يضاهي جمالها ورقتها أية امرأة أخري فتبدأ في البكاء الصامت والتفكير العميق. هل تأذن سيدتي أن أبدأ معها من البداية؟َََ هي توافق بل وتسهل الأمر علينا فهي أشبه بمن يجلس علي كرسي الاعتراف وتجد متعة أن تعترف لنا بكل شئ . لنخطو الخطوة الأولي تجاه حماقات تلك المرأة..
.
البداية
يوقظني الصباحُ على بقايا احتراقٍ باردٍ
مبعثرٍ في كفّ القدر

البداية ليست مشجعة علي الإطلاق، ولا تنبئ عن أية حماقات قد تبدأ بها يومها. فهي لا تستيقظ صباحا لتمارس تلك الحماقات التي وعدتنا بها بل لتزيد من دهشتنا. يوقظها الصباح ولعله ضوء الفجر الشاعري ونسماته الرقيقة. ليس الأمر كذلك معها فهي تستيقظ علي بقايا احتراق بارد.!! والقسوة في التعبير والإحساس بفعل الحرق مؤلم، فهو ليس احتراقا كأي احتراق ولكنه احتراق بارد وكأنه علي نار هادئة لكنها مركزة تحرق بقسوة وإصرار. أكاد أشم أحلامها وروحها تحترقان حتى أنها تستيقظ بفعل الاحتراق وليس بفعل قدوم الصباح أو الفجر الرومانسي كما تخيلت. وبكلمات قليلة ترسم لنا صورة بانورامية هائلة. فهو ليس بالاحتراق الواحد وليس بالأول ولن يكون بالأخير. فهو مبعثر هنا وهناك ولا مفر منه، فالقدر يحتويه في يده ويحكمه بفكرنا. وهي بهذا الفهم ( الأسطوري ) حكمت علي نفسها بالاحتراق كل صباح.
.
كقطرات الندى المتهالكةِ عشقاً
على أوراقِ الورودْ

ومع كل تلك المعاناة لها ولنا فهي تصر علي زيادة الدهشة عندنا، فتجذبنا لدائرة من الجمال والرقي في التشبيه والفهم الإنساني الرائع لتجربة الاحتراق. لم تندب حظها أو قدرها أو تبدأ في الصياح والعويل ولطم الخدود. هي لا تفعل ذلك فهي أشبه في تصرفاتها بنبل الملكات والأميرات الأسطوريات. لم تفعل، ولم تشبه كل ذلك بشئ مفزع ومخيف - وسيكون لها كل الحق لو فعلت – لكنها بكل رقة المرأة العاشقة تشبهه بقطرات الندي المتهالكة عشقا علي أوراق الورد. أية حماقة نبيلة تبدأ بها هذه العاشقة يومها.

فأبحثُ في رمادِ الحلمِ عن زوبعةٍ
زمْجرَتْ شوقاًوحطّمَتْ كلّ القيودْ

ما هذه التركيبة الرائعة الجمال والقسوة.؟ ها لنا أن نتخيل حلم يحترق وليس لدينا من أثره سوي قليل من الرماد. التركيبة قاسية وتجعل الخيال يقفز لأولئك الذين يحرقون جثث أحبائهم ثم يحتفظون ببقايا الرماد للجثة المحترقة في قنينة جميلة يضعونها بأحد الرفوف الزجاجية. لكن في حالتنا فهي لن تحتفظ بذلك الرماد في أحد الرفوف الزجاجية الجميلة بمخيلتها ولا حتى بأشعارها. المرأة هنا بالفعل هي من نسيج آخر فهي وان قبلت احتراق الحلم وقبلت بالرماد المتبقي منه، فهي ستواصل سعيها وبحثها عن حلم آخر يبدو بعيدا وعسير المنال. لكنها تفعل وبإصرار. البحث في الرماد عن الزوبعة المباركة التي تزمجر بالشوق وتحطم كل القيود. يالها من حماقة أخري نبيلة وشريفة، لا يقدر عليها سوي ذلك الطراز الفريد من العاشقات.

أصافحُ الغيمَ المتجمّعَ حولَ فجوةٍ
بزَغْتَ منها ضياءً في سماءِ الوجودْ
وأعانقُ طيراً عبثَ بشعري بحماقةٍ
وتناثرَتْ من جناحيهِ
آلاف الوعودْ

وهي ببحثها – عن المستحيل – وجدت عالمها السحري الآمن والجميل. غيماً تصافحه وضياءً في سماء الوجود وطيراً ( تعانقه ) وهو( يعبث) بشعرها بحماقة!!! وينثر من جناحيه آلاف الوعود.

فألمْلِمُ شتاتَ أوهامي
وأنتظرُ طيفكَ
رجلاً عائداً في ليلةٍ عاصفةٍ
معزوفةٍ بالرعودْ
ولستَ تأتي

وحين تفيق من حلمها البديل الذي انتزعته من بقايا الرماد تشعر بالوهن، فتلملم شتات روحها وتعترف بأن ما كان من أحلام لا يزيد عن أوهام عاشقة فتغرق في حلم آخر أقرب للواقع من الخيال والوهم، فهي تنتظر طيف رجلها العائد في ليلة عاصفة مليئة بأصوات الرعد. ورغم كل ذلك ولأنه سيأتي هذه الليلة فستصبح ليلة أشبه بالمعزوفة الجميلة. لكنه لا يأتي. أي رجل هذا يستحق كل هذه الحماقات الرائعة؟!!

نحن إذن أمام تجربة إنسانية جميلة وراقية وثرية لإمرأة عاشقة ليس لديها من أسلحة سوي حلم محترق يأتيها كل صباح ، وفي بقايا الرماد المتخلف تنبش باحثة وسطه عن أحلام أخري لتخلق أحلاماً تتوالد وتتكرر بأشكال وتعبيرات مختلفة. تعيش صباحها وربما يومها علي تلك الأحلام المستحيلة التحقيق..هي أشبه بملاك يعشق ولا يجيد سوي الحب والحلم وإيجاد العذر لمعشوقه فمن أجل هذا السبب خلق وليس له من عمل يؤديه غير ذلك.
ولكنها ورغم وقوعها في محظور الملاك حين يعشق فهي تود الطيران والتحليق كعصفور صغير يأس من مقدم شريكه فقرر التحليق. إلي أين؟!! ربما للبحث عنه .. وحتى وهي تنوي علي ذلك فهي لاتزال أسيرة هواه ولابد لها من أن تصرح له بمبررها في التحليق.

تحليق
سيّدي الرقيقْ
اعتزلتُ الانتظارَ المريرْ
اعتزلتُ خفقات قلبي الصغيرْ
اعتزلتُ حنيناً
يتغلغلُ بين أوْرِدتي وعروقي
عابثاً
متفاتناً
بكلّ تفاصيلِ الزوايا المرصوفةِ بالجليدْ

وتبدأ بعبارة ترضي غرور الرجل: سيدي الرقيق.!! ثم لا تقل له أنها كرهت الانتظار المرير، أو كرهت خفقات قلبها الصغير أو كرهت الحنين الذي يسري ويتغلغل في دمها عابثا متفاتنا. لكنها تخبره بأنها قررت اعتزال كل ذلك. والفارق كبير بين أن تكره أو تستخدم كلمة أخري بذات المعني و لان تعتزل. الكراهية تؤدي لتشويه المعني وتقبيحه ومع الأيام تضيع معالمه وتظل نار الكراهية تحصد قلب صاحبها. أما اعتزال ما قررت هي اعتزاله فكل شئ سيظل موجوداًُ وكما هو جميلا متعافيا ينطق بالحضور وليس علينا سوي الابتعاد عنه وعدم الاقتراب منه. هل هي صادقة أو قادرة بالفعل علي اعتزال ( خفقات قلبها ) أو ( الحنين ) الذي يسري في ( أوردتها وعروقها ) إن استخدامها لتلك التعبيرات وما تتضمنه من معاني يوحي بأنها لن تقدر فيزيائيا علي الأقل علي ذلك. هي إذن مجرد محاولة لعتق روحها من أسر العشيق. وبالتأكيد هي ليست بمسلوبة الإرادة أو هي تابع بلا فهم أو إرادة لهذا العشيق القاسي. هي مجرد امرأة عاشقة، أسيرة لحظة من لحظات مراجعة النفس ولم شتات الروح لتقرر بكل شجاعة كيف هي المرأة حين تعشق.

لا ينبغي لأحد أن يلومها فهي كما ذكرت طراز خاص وحالة خاصة بتركيبية غاية في الخصوصية. هي بإيجاز نموذج يعلمنا كيف يكون العشق والذوبان في الحبيب. تري هل تقدر علي الفرار من الأسر؟!!
ما هي تلك الزوايا المرصوفة بالجليد؟!! هل هي أماكن بعينها تظل في خيال وذاكرة العاشق أو العشيقة لأنهما مرا بها حتي لو كانت مكسوة بالجليد. أم إنها زوايا جسد الحبيب فالحنين يظل قائما له حتي لو اكتسي ببرودة المشاعر. يبدو لي ان التفسير الثاني أقرب لفهم ( حنين ) العاشقة ( العابث المتفاتن ) لزوايا جسد الحبيب منه لزوايا الأماكن.
.

ليست هناك تعليقات: