الأحد، يوليو ١٥، ٢٠٠٧

5 - قراءة الشعر. " قصيدة مطر مطر مطر للشاعر البحريني الشاب احمد رضي "

.
لنقرأ تلك القصيدة الجميلة لشاعرنا الشاب احمد رضي ثم نتحدث قليلا عنها. القصيدة بعنوان مطر... مطر ... مطر.

حين يهطلُ المطرْ
ألوذُ بمحراب الصمتِ

أريدُ أن أُصغي
..
لما تقولهُ السماء ْ !

أحبُ المطر
ـ خاصةً في بلادي ـ
ففيهِ ترفعُ النساءْ
أثوابهنَّ السوداءْ !

في المطر
ينتفخُ القلبُ ..
كالخبزِ ..
في فرنِ صدري !

أتحدى المطر
أصرخُ كالذئبِ
وأرقصُ كالمخبولِ
وأكسبُ الرهان !

عندَ المطر
أحضنُ نفسي ..كالقنفذ
كي لايتسربَ الفرحُ ..
خارجَ جسدي

.
أول ما يسترعي الانتباه في تلك القصيدة هو الإيقاع الموسيقي الراقص، وتبدأ أول خطوة في الرقصة من عنوان القصيدة. اقرأ معي - ثانية - العنوان: مطر ... مطر .. مطر . ألا تجد انك تقرأ تلك الكلمات وفق إيقاع موسيقي ما. إذا هي أشبه بدعوة لحفل موسيقي راقص يلعب فيه المطر دور الاوركسترا...
حين قرأت تلك القصيدة للمرة الأولي تذكرت زوربا اليوناني . في رائعة كازنتزاكي . كان زوربا يحل تفاهمه ومشاكله وعلاقته بالغير عن طريق الرقص. في شبابه تعرف بأحد الحانات الفقيرة علي احد الجنود الروس الذين شاركوا في الثورة البلشفية. غير أن سمع الجندي كان ثقيلا لدرجة الصمم، بالكاد كان يتابع حكايات زوربا من خلال النظر لشفاهه والتحديق المستمر بوجهه. وكثيرا ماكان يصرخ في وجه زوربا مقاطعا إياه : هه. ماذا تقول؟ ارفع صوتك. وتفتق ذهن زوربا علي أن يرقص له ما يريد قوله. وكان الجندي يرد علي حكايات زوربا أو بالأحري رقصه برقص مماثل لحكايات أخري. واستطاعا الاثنان أن يتواصلا ويحكيان عن كل شئ - بما في ذلك علاقتهما بالنساء – بواسطة لغة مشتركة سهلة علي الفهم وأسهل عند الحديث بها. كانت لغتهما الرقص والرقص فقط.
المؤكد أن الرجال المنتمين لزوربا - رغم قلتهم - إلا أنهم مخلصين لمبادئه في الحياة، وفلسفته في التعايش مع الغير خاصة مع النساء. وأزعم أن الشاعر واحدا منهم.
.
حين يهطلُ المطرْ
ألوذُ بمحراب الصمتِ
أريدُ أن أُصغي ..
لما تقولهُ السماء !
.
بعد العنوان الراقص تجئ المقدمة الموسيقية غير أنها خادعة تماما. يحاول الشاعر بدهاء أن يبدي حكمته فيلوذ (بمحراب الصمت) لأنه (يريد الإصغاء) لما تود السماء قوله.
تري هل سيواصل حكمته بعدما أصغي للسماء.؟!! وإيهامنا بأنه رجل فلسفة وتقوي. دعونا لا نستعجل ونري.
.
أحبُ المطر
ـ خاصةً في بلادي ـ
ففيهِ ترفعُ النساءْأثوابهنَّ السوداءْ !
.
هو لا يحتاج لكثير من الوقت أو الكلمات ليقول لنا ما فهمه وهو مختلي بنفسه في محراب الصمت. ففي المقطع الثاني مباشرة يقفز ببراعة هر بري ليبين لنا السبب الحقيقي لحبه للمطر في بلاده. فالنساء يرفعن أثوابهن ( السوداء ) والتي لابد وأن تكشف عن سيقان جميلة.
لكن لماذا يحب الشاعر المطر خاصة في بلده؟ هل المطر الذي يسقط فوق لندن مثلا أو نيويورك أو موسكو يختلف عن المطر الذي يسقط في بلاده؟.!! الفارق في موقف الشاعر هو المرأة. المرأة الشرقية جميلة ومثيرة وتملك الكثير من عناصر الأنوثة والفتنة، وللأسف فإن كل ذلك حبيس ثيابها السوداء، والمطر هو المناسبة الوحيدة الذي يجعل المرأة ترفع ثيابها اتقاء للبلل وللأوحال ليظهر ما خفي من جمال وأنوثة تخفيها تلك الثياب السوداء التي ترتديها. شكرا للمطر.
.
في المطر
ينتفخُ القلبُ ..
كالخبزِ ..
في فرنِ صدري.!
.
يا لجمال التعبير والوصف والتشبيه. من الأمور المحببة لنفسي – وحتي الآن – مراقبة رغيف الخبز وهو ينتفخ داخل الفرن معلنا قربه للنضج. من يشعر بجمال تلك اللحظة سيتداعى لذهنه الكثير من الصور الأخرى. الدف المنبعث من الفرن خاصة في الشتاء، وهج النار البرتقالي ثم الخبز وهو ينتفخ واحدا بعد الآخر. نجح الشاعر وبكلمات قليلة للغاية أن يجعلني أحس معه بالحالة التي يعيشها وقت المطر .
.
أتحدى المطر
أصرخُ كالذئب
ِوأرقصُ كالمخبولِ
وأكسبُ الرهان !
.
هل شاهد أحدكم رقصة كيفن كوستنر الشهيرة في فيلمه الجميل الراقص مع الذئاب؟! كان يرقص وعلي مرمي حجر منه ذئب كبير يراقبه باهتمام بالغ. ورغم الخطوات الغريبة التي كان يرقص بها حول النار المشتعلة إلا أن كوستنر أدي رقصة ممتعة وجميلة استحق بعدها تلك الصرخات العميقة كتحية له من صديقه الذئب.
هي حالة من النشوي قد تأتي بسبب المطر أو لغيره من الأسباب. وفي قصيدتنا تجعل الشاعر يتحدي المطر فيصرخ كالذئب ويرقص كالمخبول. لكن أي رهان يكسبه.؟ لعله رهان المتعة التي اكتسبها بعد الرقص ولعله رهان مقدرته علي الرقص ولا يهم الخطوة التي يرقص بها فالأهم أن يرقص.
.
عندَ المطرأحضنُ نفسي .. كالقنفذ
كي لايتسربَ الفرحُ ..
خارجَ جسدي
.
صورة أخري جميلة ومعبرة عن تلك الحالة التي تولد فرحا داخليا يجعل الشاعر (يحضن نفسه كالقنفذ) كي لا يتسرب (من فرحه) أي شيء خارج الجسد.
صور متتالية وجميلة ومفردات بسيطة ولكنها غنية بالمعاني وبالإيقاعات الراقصة والكل من نبت الأرض التي يحيا فوقها الشاعر.

.

ليست هناك تعليقات: