الأحد، يوليو ٢٢، ٢٠٠٧

7 - قراءة الشعر. قراءة لقصيدة " أصداء في ملكوت الصمت "

شيء ما من في كلمات تلك القصيدة يتسلل بداخلي كلما قرأتها ليهمس مخاطبا روحي قبل عقلي فيصيبني بنوع من الخوف والقلق، حتى أنني شعرت بعدم القدرة علي الكتابة عنها. ومع ذلك فمحاولاتي لفهمها متواصلة وإن كانت مضنية. أكتب القليل وأتركه أياما وأعود ثانية لما كتبت لأضيف عدة كلمات قد لا تفيد. فسيظل المعني الكلي عند الكاتبة التي نجحت بقدر كبير في رسم وتصوير معاناتها وتركتني أتخبط في الظلام دون قدرة علي تركها . فأنا أحبها وأحب تلك الطلاسم التي جاءت بها وأحب تلك الصور السريالية التي توحي بها كلمات القصيدة .

لا أستطيع أن أقرأ تلك القصيدة وإعطاء تفسير واقعي أو معان متداولة ومألوفة لما جاء بها من صور . ولا أعتقد انه بإمكاني أن أحيل المعاني الواردة إلي صور أو قيم رمزية تقبل التفسير والمصالحة مع الكلمات وأشعر أن الكلمات عاصية علي التفسير لكلتا المحاولتين . ولا يتبقى عندي سوي افتراض للفهم أخير .

حتى شهر زاد لا تعترف بأن ماكتبته قصيدة. وهي تسميها بخواطر وجدانية. ولعل هذا الاعتراف يقربنا قليلا من فهم القصيدة. وأشعر ايضا أن هذا الاعتراف يساعدني أكثر علي تكملة فهمي الذي خرجت به عند قرائتي للقصيدة أول مرة . فأنا أري فيها حالة روحية رائعة معروفة في أدبيات الباراسيكولجي بحالة انسلاخ الروح عن الجسد . وهي حالة يمكن أن يمر بها أي إنسان تحت شروط وظروف معينة . أهمها خضوع الجسد لقسوة شديدة مثل حالات التعذيب كما في حالات القسوة المفرطة التي يعامل بها الأسري والسجناء قبل قتلهم ، أو عدم القدرة علي التكيف مع الظروف القاسية مثل معيشة الجنود في خنادقهم وسط الأوحال والثلوج ، أو عدم النوم لمدة طويلة . وأيضا هناك حالة شائعة وقد تم رصد الكثير من حالات انسلاخ الروح عن الجسد فيها . وهي حالة خضوع الإنسان لعملية جراحية وإعطائه مخدر كلي . فالكثير من المرضي قد مروا بتلك التجربة التي تنفصل فيها الروح عن الجسد، وتروح بمراقبة ما يحدث له . أو أنها تحلق في أجواء الأماكن البعيدة لتقابل الكثير من المواقف الغريبة والأكثر من المعارف والغرباء. من المهم أن نفرق بين حالة ( الهلاوس ) التي تصيب الإنسان عند تعرضه لمثل تلك المواقف القاسية أو بعد تعاطيه لجرعات مخدرة وحالة انفصال الروح عن الجسد مع استمرار اتصالها به .

تيهٌ بيْنَ بيْنْ
و أسألُ كيفَ و أينْ؟
أكانتْ دربي طويلة
أم مرّة أخرى
خانني العطشُ
و سرابٌ كانت "العينْ"؟
بصمتٍ
اقتلعتُ نفسي
و حيث كنتُ
عُدتُ
و بصمتٍ
أطفأتُ عطشي
من أسودِ العَيْنَينْ

البداية تبوح بما ستقدم عليه تلك الروح الهائمة والتائهة في دروب طويلة ولا يحيط بها غير أسئلة دون أجوبة مع أنها لا تزال موصولة بجسدها بشيء أقرب في الشبه للحبل الصري الذي يوصل الجنين بأمه . أسئلة تؤرق وتبعث علي الحيرة والتي تبدأ بكيف ؟ وأين ؟ وليس هناك من إجابات – في الغالب – سوي مزيد من التيه والذي قد يفرضه خداع البصر بما تصوره العين من خيالات وسراب ، يزيد من مرارة وقسوة الظمأ ويزيد – بالتأكيد - من الإحساس بالتيه وما يعنيه من ضياع وتشتت حتى إن الرغبة في العودة تجئ ( بصمت ) ( وباقتلاع النفس ) . ربما تقصد اقتلاع الروح عن الجسد . وياله من محظوظ ذلك أسود العينين الذي يبدو أن روحها تعود ثانية لتطفأ ظمأ الجسد منه .

تلكَ الطفلةُ التي كنتُ
أتتني يوماً
وجهاً غريبا
ًلم تقل شيئا
ًمشينا
وكلتانا ترمُقُ الأخرى
بصمتٍ
خُطانا
نهران متباعدا الضفاف
ِكنّا قد عُدنا
من ذاك الزمن المُسيّجِ بالحدودو
هنا تجمعنا غابة مسيّجة بالأحلام
ِترويها ذكريات عابرة
في سماء الوجود
حين تحلق الروح وتنطلق فلن يكون صعبا عليها أن تقابل من تحب . هل تتخيل معي الشاعرة وهي تمشي مع نفسها وهي طفلة .!!! الصورة جميلة وتوحي بالكثير من الدهشة والتساؤلات . جائتها الطفلة التي كانت هي يوما ما ، كانت غريبة عليها ولم تقل شيئا . اكتفيا بالمشي وكل منهما تنظر للأخرى . ولعل مايذكره الاثنان أنهما عادا من عالم محكوم بحدود وقواعد صارمة ، لينسجا غابة الأحلام الضائعة والتي تشكل الذكريات معظم معالمها.

لماذا بالذات كانت المقابلة مع ( الطفلة التي كنت ) ؟!! إذا لم تكن من إجابة محددة ، فبعض الكلمات قد تكون مفتاحا للفهم. عدنا – الزمن المسيج بالحدود – غابة الأحلام – ذكريات عابرة – سماء الوجود. ربما كانت هي محاولة لفهم أسباب ضياع الحلم معها وأيضا مع ( الطفلة التي كنت ).!! حتى أنها تطمئنها فكل ماتريده هو الفهم : ماذا يجمعنا يا صغيرتي بعد أن ضاع الحلم والخيال ؟!!

أيّتها الطفلةُ التي كنتُ ..
اقتربي ..
لا تجزعي ..
فقط أسألكِ :
ما الذي يجمعنا الآن؟؟

ليس هناك في مثل تلك المواقف من إجابات شافية ومقنعة وتتيح القدر الذي يكفيها من الفهم . مالذي يجمعنا ؟!! ( فقاعات هو الزمن )، (والعمر دم يتخثر)، (والأيام قبور للروح والجسد) . وليس عليها سوي ترقب الفضاء لعلها تشهد انشقاق تلك الفقاعات . طلاسم ولوحة سريالية جميلة لكنها تعطينا قدر من الفهم والإدراك بمعاناة تلك الروح الشاردة .

هو ذا الزمن فقاعات
و العمر
ُدمٌ يتخثر
و الأيام قبور
ففي أيّ فضاء ستنشقّ الفقاعات؟

ربما كان عدم النوم نوعا من العلاج ونوع من الجهد المضني للفهم . وكما أسلفت فعدم النوم يصل بالروح لحالة من الانفصال الروحي . أو هل تتخيل معي أن عدم النوم يمكن أن يكون مفيدا للبحث عن ( الدروب ) أو ( معرفة ما يطويه الظلام ) . حتى لو غامرت بعد كل معاناة عدم النوم بدخول الزحام !!! إنها لحظات نادرة معاشة لروح هائمة ، استطاعت الشاعرة أن تكون شاهدة علي روحها في تسجيل لحظاتها .

حسناً
لن أنام
سأحاول تقرّي دروبي
و معرفة ما يطويه الظلام
سوف أدخل هذا الزحام

- يتبع –
.

ليست هناك تعليقات: