الجمعة، ديسمبر ٢٨، ٢٠٠٧

ولا عزاء للسيدات ...

أشعر بالحزن العميق منذ أمس وفور معرفتي خبر قتل السيدة "بناظير بوتو". تلك السيدة التي كانت تؤمن بحق الشعب الباكستاني في الحرية والديمقراطية، وحق كافة الأحزاب في تقاسم السلطة وفق ما تقرره صناديق الاقترع الحر والنزيه لأصوات الملايين من أفراد الشعب.كان لطيور الظلام رأي آخر ووسائل أخري غير ما كانت تؤمن به الراحلة. فهم يؤمنون دوما بأن طلقة البندقية أسرع وأرخص وأسهل لإنهاء أي مشكلة أو خلاف معهم، حتى لو كان ذلك يتعلق بحق تقرير مصير شعب، ورغبته في الحياة الكريمة والنظيفة.
أصابع الاتهام تشير إلي جهات كثيرة وأفراد أكثر. والمتتبع لتطور الأوضاع في باكستان يعي ذلك. فالأمور هناك مختلطة لحد مخيف بين رغبات الجنرال وتصوره الشخصي لشكل الاستقرار المنشود لبلد فقير إلا أنه يملك التقنية الذرية ويملك الكثير من القنابل والصواريخ الحاملة لها.
وعلي الطرف الآخر يتجمع الكثير من الأحزاب والتي تتبني كافة أشكال الطيف السياسي. ولديهم رغبة واحدة تحكم تفاهمهم الآن وهي إسقاط الجنرال.!! ثم لا يهم أن يغرق الطوفان البلد والشعب بعد ذلك. مع أنهم لو ركزوا علي مشاكل بلدهم المزمنة، لاكتشفوا أن رحيل الجنرال دون خدش صغير ليس بالقضية التي تستعصي حلها لفرقاء يطمعون قبل كل شئ في كرسي الحكم، وهو أمر سهل للغاية وهذا ماستثبته الأيام.
كان لدي الشعور القوي - وفور عودة السيدة بناظير لوطنها - بأنها عادت لتموت أو بالأحري لتقتل. والأمر لا يحتاج لكثير من الفراسة أو العلم لأن أصل لتلك النتيجة. ومعلوم أن أولي محاولات قتلها قد حدثت ثاني يوم لعودتها وباءت بالفشل.
يتنصل الجميع من قتل بناظير وتقول حكومة الجنرال - علي لسان وزير الداخلية - أنهم كانوا يشاركون في حمايتها.!! وأن لديهم الدليل القوي أن "القاعدة" هي المسئولة عن تلك الجريمة البشعة .
ما الذي يحدث بالضبط ؟!! كيف يمكن للقاعدة أو لغيرها أن تسيطر علي عقول وأدمغة الشباب أن ينتحر بتلك الطريقة الهمجية ليقتل معه العشرات من أبناء وطنه أو ربما من غير أبناء وطنه.
وبمقتل تلك السيدة الرائعة فقد زاد طابور القتلى من السياسيين الليبراليين وأساتذة الجامعات والصحفيين وتلاميذ المدارس وطلبة الجمعات والفنانين والأطفال وأمهاتهم والكتاب المدافعين عن قيم الحرية والعدالة. القائمة طويلة وهناك من ينتظر دوره ومابدلوا تبديلا ..
أسفي وحزني شديدان وغيظي أيضاً. وعفوا .. لا عزاء للسيدات.


القاهرة . 28/12/2007

الاثنين، سبتمبر ١٠، ٢٠٠٧

ظلال الحقيقة ...

...
استهلال - لا بد منه - وان جاء متأخراً ومشوبا ببعض السخرية ..
...
والظل يعني فساد الرؤية بالعين، أو القلب أو المهجة، أو حتى باستعمال أي جهاز بصري أو سمعي أو تناسلي تمتلكه أو تستعيره من هنا أو هناك. تحدث عنه الأقدمون وأسهبوا، وبذل المحدثون الكثير من الوقت والجهد في بحوثهم العلمية والمعملية فما أضاف أيا منهم شئ يذكر..
والظل لا يعني أنه والعدم سواء، فهذا كلام باطل ويعوزه الدليل. فالأشياء تتواري وتحجب، ولكنها مع ذلك تظل هناك تنظر إلينا بسخرية واستهزاء. .
الظل نوع لحالة من الطيف متفردة، خاصة حين يمزج بأجساد النساء، وبعض الموسيقي، وروائح الزهور البرية الجميلة والقرنفل، وأحيانا روائح النعناع ممزوجاً برائحة الياسمين. وقد يكون منه الذكر وقد يكون منه الأنثى، وهناك أيضا - وبشكل يقيني- البين بين. وهو أخطر وأصعب وأسخف أنواع الظل، بشهادة الكثير من الشعراء والباحثين الأجلاء.
تقدم خطوة أو اثنتان، ثم سر باستقامة ولا تعاود النظر للوراء. فقد تفلح أن تخترق جدران الظل السميكة. ربما هذا ما يمكن أن يحدث دون ضمانة حقيقية بأنك كنت تفعل أو أنك كنت تصرخ أو تغني، أو أنك ساعة ما كنت تتقدم وتسير كنت لا تحبو للخلف.
...
ظلال الحقيقة ...

لا اعتقد أن هناك ما يسمي بالحقيقة المطلقة، خاصة في علومنا الأرضية أو فيما نتفق علي تسميته بأنه نتاج لجهد وبحوث العقول البشرية. الحقيقة دائما ما يولد معها حقيقة أخري مضادة للأولي، وقد تسير عكس اتجاهها. وحتى الحقيقة المجردة لا تفهم – في الغالب – بشكل واحد ومتفق عليه. ولعل هذا ما أسميه بأوجه الحقيقة أو ظلال الحقيقة. ويبدو أن التسمية الثانية أوقع وأفضل.

أتذكر أستاذا كان يدرس لنا الرياضيات خلال دراستي بالجامعة، وأثناء إحدى محاضراته وكان يتحدث عن تحديد موقع أي جسم بالفراغ. وهذا يتطلب تحديد موقعه بدلالة ثلاثة محاور، أو ما أتفق عليه رياضيا بالمحاور الثلاثة x,y,z ومع إضافة المحور الرابع الخاص بالزمن يمكن تحديد موقع أي جسم في الفراغ بدرجة دقيقة.
وبطبيعة الحال ليس هناك من علاقة بين طريق المحور بالقاهرة المحروسة وما نتحدث عنه.علي كل حال كانت المحاضرة جميلة وأجاد الأستاذ العرض والشرح، ثم توقف فجأة وسرح بخياله بعيدا، وكنا معتادين لمثل تلك التصرفات منه خلال محاضراته.
والحقيقة أن كل وقفة صمت منه أو ( سرحانه ) كانت تحمل قصة. المهم أنه بعد فترة قصيرة – لم تكن متوقعة – فاجأنا بسؤال: من يستطيع أن يؤكد أنه لا يوجد سوي الثلاثة محاور.؟! لماذا لا نستطيع القول بأن ثمة محور آخر يشترك معنا فيما نعلمه لباقي المحاور؟! إن إضافة محور واحد فقط يستدعي وجود عالم آخر يشترك معنا في بعض المحاور بما في ذلك محور الزمن. وهذا يستدعي وجود مخلوقات أو كائنات أخري غيرنا، وهي وإن شاركتنا بعض التفاصيل إلا أنهم لا يستطيعون رؤيتنا أو التعامل معنا، كما أننا لا نستطيع رؤيتهم ولا التعامل معهم أيضا.!!
هل هذا ممكن؟!!
الأمر المدهش أنه إذا قبلنا بتلك الفرضية بوجود محور آخر يضاف لما نعرفه من محاور، فهذا يستدعي التسليم بقبول فرضية أخري، وهي وجود عدد لانهائئ من المحاور المغايرة والتي يمكن أن يكون لها نظام خاص بها وأشبه بما نتحدث عنه. وما يعنيه ذلك من وجود عوالم أخري لا تعد ولا تحصي.!!
ثانية، هل هذا ممكن .؟!!
المهتمين بالفيزياء لهم رأي يقرب المسافة من الفهم وليس التصديق .!!

....

"يطوي الكون - كل عدة عشرات من السنين - صفحة من صفحاته. ونذهب جميعا علي أمل اللقاء والتواصل في مكان آخر. ولا يتبقى من شئ سوي بعض الحفائر، وأقرص الكمبيوتر، لتحكي عن حياتنا بعضا من التفاصيل القليلة التي تؤكد أننا كنا نعيش عبر الصفحة المطوية" .


الكون في حالة اهتزاز مستمر. وهذا يعني إن أي جسم ومهما بلغت كتلته أو حجمه فهو في حالة حركة اهتزازية، تفرضها طبيعة المادة المكونة له، والتي لاتزيد عن مجموعة من الإلكترونات التي تدور في مدرات محددة بعيدة عن المركز أو نواة الذرة .وطبيعة المادة تتحدد بتلك الاهتزازت التي تولدها. ويشعر الإنسان العادي بتلك الترددات ومن ثم فهو يستطيع أن يحدد ماهيتها. هل هي رائحة أم شكل تفاحة أم جسم امرأة.

ويتراوح مدي تردد الاهتزازات للمكونات والتي تشكل العالم الفيزيائئ ما بين ترددات الأشعة تحت الحمراء صعودا حتى تردد الأشعة فوق البنفسجية. ويمكن وضع ذلك في قيم بسيطة فنقول أنه ما بين 340000 إلى 640000 موجة لكل بوصة، أو 750 بليون ذبذبة في الثانية وحتى 400 بليون ذبذبة لكل ثانية.

هناك ترددات كثيرة تقع تحت الحد الأدنى أو فوق الحد الأعلى، وهو يعني ضمن ما يعنيه بوجود اهتزازات موجية لأجسام ليس لنا القدرة علي استقبالها أو التعامل معها. سأعطي مثالا صغيرا لتقريب الفكرة. جميعنا لاحظ أنه بالصعوبة بمكان أن يتابع النظر العادي حركة دوران ريش مروحة الطائرة وذلك للسرعات العالية التي تدور بها، لكن ما أن تبدأ تلك المروحة في التوقف وإبطاء سرعة الدوران حتى تعود قدرتنا علي رؤية تفاصيلها ثانية وإدراك وجودها.

الأجسام الصلبة تهتز أيضا ولها طول موجي وتردد. ونفس الحال ينطبق علي كافة الموجودات. الكهرباء والرائحة والموسيقي، ويلاحظ أنه كلما زادت معدلات التردد للأجسام فأنها تصبح أكثر رقة وشفافية عن غيرها الأقل ترددا. ولهذا نجد الغازات أكثر ترددا من السوائل التي هي أكثر ترددا من المواد الصلبة. ولو أمكن التحكم في درجة تردد أي جسم صلب " منضدة مثلا " بحيث زاد أو قل هذا التردد عما هو خاضع لمنطقة حواسنا، فلن يعد بالإمكان رؤيتها مع التسليم بوجودها الفيزيائي.

وبهذا الفهم فقد أتفق كثير من علماء الطبيعة علي أنه من الممكن أن يكون هناك الآن كوكب غير منظور يخترق - بكل مكوناته من بحار وجبال ووديان وأنهار وسكان ومدن ومطارات وطائرات .. الخ – عالمنا الأرضي، وبترددات عالية للغاية. مما لا يعطينا القدرة لا علي التعامل ولا علي الرؤية ولا الاستماع إلي أهل ذلك الكوكب. بل أن بعضهم وصل لنتيجة مماثلة للتي وصلت إليها بأن - والحال كذلك- فالعلم لا ينفي وجود العديد من العوالم والكواكب وليس كوكبا واحدا أو عالما واحدا والجميع يخترق بعضها بعضا دون أن يشعر أي منهما بوجود الآخر.
مرة أخري. هل هذا ممكن.؟
....
.

آخر الظلال ....

" صمتي يؤرقني أيضا . لكن ليس لدي من رسول سواه يحمل رسائلي وأشواقي إليك " !!


عادل محمود
08/11/02
.

الأربعاء، سبتمبر ٠٥، ٢٠٠٧

2 - حوار حول قضية الجسر المصري السعودي ...

.
هل لك أن تورد لنا إحصائية بعدد المصريين الذين عملوا في الخليج؟ وهل أدى ما قاموا به من عمل ودولارات وصلت إلى مصر!! هل أدى ذلك إلى تطوير مصر؟ أم أدى إلى ردة دينية / يسميها أصحابها بالصحوة؟
تقصد الذين عملوا أو الذين يعملون حالياً ؟!!! علي كل ليس لدي حالياأرقام لذلك . لكن مادام الحديث يتناول ( ملايين ) من الناس في حالة حركة مستمرة ذهابا وإيابا فما يعنينا هو دراسة التأثير الكيفي لتلك التنقلات الكمية . أستطيع أن أقول وأنا مستريح ومطمئن أن الدولارات النفطية التي جلبوها معهم لم تؤدي إلي تطوير ( مصر كدولة ) بل علي العكس فمردودها السلبي كان ولايزال أكبر بكثير. دعنا نتفق أنهم جلبوا معهم ما أمكنهم أن يدخروه من مرتباتهم التي تمثل نتيجة عملهم . وجلبوا أيضا السلوك المتشدد والفهم الأكثر تشددا . والمؤكد أن كلامك صحيح بأنهم يعتقدون أنهم جلبوا الصحوة الدينية وأن هذا هو ما يفيد المجتمع . لكل ذلك فصيحات الدعوة ( من أمراء الجماعات ) بالجهاد وقتل الأبرياء وتكفير المجتمع ومحاربة الحكومة .... الخ كلها صيحات تجد من يسمعها وبمشي خلفها منساقا كالأعمى والأطرش. ولم لا وهذا هو طريق الخلاص وأولي الخطوات في اتجاه الجنة.

ثم ما الذي نقصده بتطوير مصر. لا يمكن للتطوير - بمفهومه الإقتصادي والإنساني والثقافي - أن يأتي عبر هكذا طريق، والذي لا يفهمون سواه بل يمكن أن يجئ عن طريق التنمية الشاملة والسوق المشتركة وحرية التنقل للأطراف جميعا وليس للسعودي فقط . وكم من ماّسي تحدث نتيجة حقهم في الإقامة والمعيشة بمصر خاصة طبقة الأثرياء منهم وما يعطونه لأنفسهم من حقوق تصل لحد العربدة . وبالمناسبة هل يمكن أن نطالب بإلغاء نظام الكفيل - سيئ الصيت - للمصريين العاملين هناك ؟ ثم حرية التملك للمصري في السعودية كما هو حق للسعودي في مصر، وحرية زواج المصريين من سعوديات كما هو حق للسعودي في مصر. وغير ذلك كثير. الملاحظ أن وقت الجد وحين يقدم رأس المال العربي - عموما - للمشاركة في أي جانب للإستثمار فإنه يقدم علي حياء وبمبالغ تافهة.

في السنوات الأخيرة وبالأخص في الشهور الأخيرة هناك تمييز ضدهم واعتقالات جماعية وتعذيب دون سبب أو جناية وحضرتك تستخدم لفظ التدليل وهو هنا له أحد هذه المعاني : 1- إما أن حضرتك تؤيد تلك الإجراءات وتراها غير كافية مما تصفه ساخرا بالتدليل . 2- أو أنك لا تؤيده ولكنك تتوقع الأسوأ فتصفه ساخرا أيضا بالتدليل . 3- أو أنك تري تعاملا جيدا مع البدو في أمور لا أعلمها لكسب ولائهم .لكنه في كل الأحوال ليس تدليلا.
أما عن السبب أو الجناية فأقول لك . تفجيران في شرم الشيخ قتل بسببهما ما يزيد عن ال 200 برئ عدا الجرحى. لاحظ أن معظم القتلى كانوا من المصريين. وتفجيران آخران ( عمليات إنتحاريه ) بدهب راح ضحيتهما ايضا العديد من القتلى المصريين والأجانب بضمنهم أطفال. ذلك عدا بعض القتلى من الجنود والضباط الشباب . أهذا يكفي؟!!!
المهم ولأن موضوع الإرهاب يثيرني ويشعرني كم هم ( الإرهابيون ) قتلة أغبياء في أي مكان . سواء في مصر أو العراق أو الأردن أو لبنان أو أوربا أو أمريكا .. الخ فقد تقصيت وسألت بشكل شخصي أصدقاء كثيرون في مدينة دهب . لم يكن هناك اعتقالات جماعية ولعل الكلمة الصحيحة هي ( اعتقالات عشوائية ) . لا أستطيع أن أقول أن الأمن تصرف كالملائكة معهم . لكن ولطبيعة الجريمة ولصعوبة الوصول للجاني بالسرعة الممكنة ، تحدث كثير من التجاوزات وهذا أمر يحدث في كل الدول ولعله لطبيعة الجريمة كما ذكرت . لا أستطيع أن أكون حياديا أمام الجرائم الإرهابية التي تمس أمن الوطن والمواطن .
.
ومع ذلك فالحديث عن التدليل هو حقيقة وليس من باب السخرية . التدليل لكسب الولاء علي الأقل .. كان نابليون يرسل جنرالاته لهم ومعهم الأموال والهدايا ايضا لكسب ولائهم ) وكتب أحد جنرالاته بعد زيارة له بأنه علي يقين بأنهم ( البدو ) سيرددون نفس تعبيرات الولاء لأعداء نابليونطالما جاءوا للزيارة بأموال أكثر ومعهم بنادقهم وأسلحتهم. رأيي الشخصي ليس مهما وأحاول في مثل تلك المواضيع أن أبتعد قدر ما أمكن عن ذلك. أقول ما أعلمه وقرأت عنه وتحاورت حوله.

لم أكن أتحدث عن العاملين العائدين من الخليج. أتكلم عن الهجرات القديمة إلي مصر. في صعيد مصرعائلات كثيرة تحتفظ بشجرتها وأصولها الصحراوية وتفتخر بها وتحرص علي التميز ولها عاداتها الجاهلية كالثأر مثلا. حديثي - أيضا في تلك الجزئية كان عن المهاجرين الأوائل وقبل الفتح الإسلامي لمصر. الفكرة باختصار أن البدو ليسوا حالة متفردة بانتماءات أخري.
بل هم حالة متفردة. الفارق بينهم وبين من تحدثت عنهم. أنهم ينكرون جنسيتهم ولا يشرفهم أن يكونوا مصريين وولائهم (في حده الأدنى) للدولة تشوبه الكثير من الأمراض. حتى أنهم يفتخرون بعلاقاتهم المميزة وما كانوا يحصلون عليه من مزايا من إسرائيل أثناء احتلالها لسيناء. هم هكذا، وهذا هو ما تعلموه وما يتوارثوه، ولا يستطيع احد أن يغير من خصالهم.

قد نسمع كلاما جميلا من نوعية : مصر ياما يا بهية .. يا أم طرحة وجلابية .. الزمن شاب وانتي شابة .. هو رايح وانتي جاية .... الخ. أحب هذا الكلام وأحب كاتبه، وقد يثير في نفسي نشوة ما. ولكنه - للأسف - كلام فارغ.!!
حين تظهر هذه الأغنية الرائعة ( نجم - الشيخ إمام ) أيام الشدة وشظف الحياة بسب الحرب مع إسرائيل . وحين يردد الشعب مثل تلك الأغنية - وغيرها كثير - تصبح تلك الأغاني ذات قيمة ووظيفة مطلوبة علي الأقل في وقتها وليس بالكلام الفارغ !!!

لو أعدت الكلام علي مسمع الناس الآن لسخروا منه؟ لماذا انتمي الناس في الماضي ونبذوا الانتماء في الوقت الراهن؟
لن يسخر الناس من كلام حفر وشكل وجدانهم. هل تابعت الأبنودي وهو يلقي أشعاره بمعرض الكتاب؟!! هل استمعت لبعض المطربين وهم ينشدون تلك الأغاني العظيمة والجميلة وسط الشباب. الشباب ايضا خلايا نائمة والمهم من سيوقظهم وكيف يوقظهم.؟!! اعتقد أن الإتجاه الديني خاصة الأخوان أكثر وعيا بتلك المقولة وقد سبقوا - مع الأسف - أي اتجاه آخر في ذلك الأمروبمراحل كبيرة.
.

الثلاثاء، سبتمبر ٠٤، ٢٠٠٧

1 - حوار حول قضية الجسر المصري السعودي ...

28/06/2007
كان موقف مصر الرافض لبناء كوبري ( جسر) يصل بين الأراضي السعودية والأراضي المصرية هو الموضوع الذي نناقشه حاليا.وبطبيعة الحال تباينت الآراء، قمت بنقل العديد من أراء الأصدقاء المكتوبة بلون مخالف للأزرق وردودي عليها.

الجسر في حد ذاته مشروع اقتصادي وليس له حجم اكبر من ذلك.
من المعروف أن أي ( مشروع اقتصادي ) له أيضا مردوده الإجتماعي والفكري والثقافي فضلا عن الإقتصادي. في حالتنا المشروع عبارة عن ( جسر - كوبري ) سيصل بشكل ( سريع وفوري ) بين ثقافتين مختلفتين، وفهمان مختلفان وما يتبع كل ذلك من تصرفات مختلفة علي جانبي الكوبري.

بالحسابات الاقتصادية مصر ستستفيد أكثر من بناء الكوبري.
لا يستطيع أحد أن يضمن ذلك خاصة في مثل تلك المشاريع التي تقرب المسافات وترفع الكلفة لجانب واحد. عادة يجب أن نرحب بأي مشاريع مشتركة قائمة علي دراسات عميقة لمختلف الأمور .

ولكن النظام له مشاكل أخري غير تلك الأمور. أهمها في تقديري خوفه من تسرب الإرهابيين إلي سيناء وتشكيل خلايا نائمة. وهو علي حق.
نعم. كلامك صحيح وفي رأيي أن هذا السبب يكفي . واعتقد انه بوجود الكوبري ستكثر مثل تلك الخلايا النائمة والمستيقظة والبين بين..

لكن النظام ينكل ببدو سيناء ببشاعة منقطعة النظير حتى أنهم فقدوا انتمائهم لمصر لمجرد أنه خائف من الخلايا النائمة.
هذه معلومة خطأ. الحقيقة أن النظام لا يزال يدلل بدو سيناء. فكر البدو محكوم بأمور كثيرة ليس من بينها الإنتماء لمصر. ملفات هذا الموضوع تضرب في الزمن البعيد وحتى قبل الفتح الإسلامي، ولا يزال المجتمع المصري يعاني حتى الآن من الكثير من الموروثات الجاهلية التي جلبها بدو الصحراء، والذين استقروا بالوادي وشكلوا عائلات تتوارث حتى الآن الجاه والثروة والحنين لجذورهم في الجزيرة العربية. تلك الموروثات لا تعود بالمرة لطباع المصريين وتاريخهم. بطبيعة الحال هؤلاء يشكلون فريقا مغايرا لبدو سيناء والذين حافظوا علي نقاء عرقهم وإن كانت الجذور واحدة والفكر واحد والفخر بالعرق العربي أيضا واحد. ويمكن لمن برغب قراءة موضوع سابق لي حول نفس الموضوع بعنوان الرمح المقدس. ومع الأسف تظل علاقة البدو بالمصريين عموما مستترة، وهي من المواضيع التي يحرص الطرفان علي إخفائها وعدم البوح بأي تفاصيل، ولا توجد مصادر كافية تتحدث عن ذلك سوي تلك الدراسة الرائعة التي قام بها علماء الحملة الفرنسية وكانت ثمرتها موسوعة هائلة (وصف مصر).

هل ما يحدث في السنوات الأخيرة تدليل ؟ هل لابد من إبادتهم جماعيا مثلا ؟
لا داعي لأن نقفز لأحكام متطرفة. لا يمكن طبعا إبادة أي مجموعة. ولا أعتقد أن ذلك يدور أو دار بخلد أي مصري بما في ذلك الرئيس مبارك ورجال السلطة. علي كل حال الموضوع كبير وله - كما ذكرت - جذوره الضاربة في عمق الزمن والجغرافيا. بحيث تظل غاية المراد لحكام مصر أن يكسبوا ولاء البدو، وليس انتمائهم. وهذا هو سبب التدليل الزائد.

الوضع معقد جدا .. ولكن هل نفصل بين " بدو سيناء "وبين " المصريين"؟
البدو هم الذين يفصلون بين الأمرين. وليس بالإمكان تدجينهم أو خلطهم مع المصريين وكل المحاولات المبذولة في هذا الإتجاه كان مصيرها دائما الفشل الذريع.

كما أن القادمين من الصحراء لم يتمركزوا في سيناء فقط . الهجرات العربية لصعيد مصر لها جذور عميقة أيضا. وجلبت عادات جاهلية أيضا. فما هو الحل؟
هذا ما قلته. الروح الجاهلية وفهم الإسلام الجاهلي، وتكريس قيم الذكورة ثم الطامة الكبرىتلك الدولارات التي تفوح منها رائحة الجاز القادمة مع آلاف المصريين الذين تشبعوا بالمذهب الوهابي. وما يعني ذلك من أمور ومشاكل وتيارات تمجد القتل والجهاد بديلا عن التنمية، وتسعي للخلافة الإسلامية بديلا عن الدولة المدنية وحرية المواطن .
ليس لدي من (حلول) أو لنقل هي حلول لن يكتب لها النجاح . فكما قلت أنت الوضع معقد جدا.
.
أسأل هنا. أليست مشكلة الدولارات التي تفوح منها رائحة الجاز كما أسميتها أنت مشكلة عربية عامة؟ أم أنها مشكلة مصرية بحتة؟
هي بالفعل كما تقول يامولانا. مشكلة عامة بل وأستطيع أن أضيف أنها مشكلة عالمية طالت كثير من الشعوب غير الناطقة بالعربية. التأصيل النظري يأتي دائما عبر الصحراء والمتشددين من أصحاب المذهب الوهابي الغريب. ومعه يأتي التمويل. وكله يأتي من هناك أيضا حيث الوفرة في الدولار المشبع برائحة الجاز دون بذل أي جهد إنساني حقيقي من جانبهم في تحصيله.هل يمكن أن نتخيل بن لادن ( شيخ المجاهدين كما يلقبه البعض منهم ) بدون ملياراته.؟!
أيضا هناك الكثير من الجماعات التي تتفاوت في حجمها ونشاطها- والبعض منها في حالة كمون - والجميع يأتيه الدولارات عبر تحويلات بنكية مريبة، أو بجمعها عبر رسل يذهبون لهذا الغرض أو، أو فلن يعدموا وسيلة في إرسال تلك الأموال. وأكرر هي أموال لا تعبر عن أي مجهود بشري في العمل أو الإنتاج، فهي أموال جاءت بالمجان من عند الله، ويتوجب صرف جزء منها للجهاد في سبيل الله. طبعا تفهم مقصدي لماذا تفوح منها رائحة الجاز.؟!! لهذا كله ولعالمية دعوى الجهاد - كما يدعون - فالمشكلة ليست قاصرة علي مصر فقط بل هي تنتشر كمرض خبيث في جميع أنحاء المعمورة.

وهل يمكن أن يكون منع فهم الإسلام الجاهلي ومنع تكريس قيم الذكورة والتصدي لقيم التطرف هو ما دفع الحكومة المصرية إلى الوقوف في وجه هذا التسهيل الكبير للسفر من وإلى الدول العربية الآسيوية؟
لا. ليس لهذه الأسباب تحديدا. فحكومتنا لا تستطيع أن تجابه كل ذلك. لأسباب كثيرة أهمها ضمان تواجدها . فات الأوان لأن تفعل شيئا. عدا أن ذلك ليس بمقدورها ولا برغبتها. الحكومة تهادن وتناور وتلعب معهم في العلن وفي الخفاء .
.

السبت، سبتمبر ٠١، ٢٠٠٧

برقية مستعجلة ...

.
صمتي يؤرقني أيضا. لكن ليس لدي من
رسول سواه يحمل رسائلي وأشواقي إليك.!!
.

الأحد، أغسطس ١٩، ٢٠٠٧

4 - حوار مع الشاعرة السورية ثناء حيدر ...

بعضهم تهجم وكفّر الدكتورة والأديبة نوال السعداوي لآرائها حول فريضة الحج ، وحول ختان البنات في مصر بشكل خاص... ما رأيك أستاذي بهذا التهجم ؟ ورأيك بالدكتورة نوال بشكل عام.

لعلك الآن تلتمسين لي العذر أنني قد أجلت الحديث عن الدكتورة نوال لما بعد الحديث عن مقولة مصر أم الدنيا، ثم الحديث عن ما نشهده من ردة دينية طالت المجتمع بأكمله، لتزرع في النفوس والعقول والأرواح فهما متخلفا وجاهليا للدين وأصول المعاملات. وأعترف أنهم نجحوا ببراعة في مسخ شخصية الإنسان المصري الذي يفضل أن يدور في فلكهم.

قبل أن أتحدث عن الدكتورة نوال وأجيب أسئلتك، سأنقل حوارا دار بأحد المنتديات الفنية - وكنت طرفا فيه - عن الدكتورة نوال وأعتقد أن أسبابي في ذلك ستكون مفهومة أيضا، ولنري كيف يفكر الشباب في مصر هذه الأيام.
نقل عضو بهذا المنتدي ( مقابلة تلفزيونية مع الدكتورة والتي تمت بقناة الجزيرة ونقلها عن إيلاف ). سأنقل لكم ماتم من ( حوار ) حول هذا الموضوع وهو لا يزيد عن سبع مداخلات، كانت بالشكل التالي :

الأولي كانت لي ، وبعد أن قرأت الحوار الذي تم خلال المقابلة مع الدكتورة كتبت التعليق التالي موجها كلامي للعضو الذي قام بنقل الموضوع وطلب رأينا دون أن يقول هو رأيه أو يتدخل بعد ذلك للتعقيب علي أي رأي:

مداخلة 1.
"تخيلت انك تنقل وجهة نظرك، وكنت مندهشاً للغاية أن تكتب لنا حول ذلك الموضوع. ثم اكتشفت انك تنقل عن إيلاف، وبغض النظر عن ذلك ورغبتك أن نبدي تعليقاتنا، أجد نفسي بحاجة أولا لمعرفة رأيك وبالتفصيل. عندئذ ستجدني أعلق، وربما يساهم بعض الأعضاء أيضا في التعليق. الموضوع جميل وشيق وبه جانب كبير من الشجاعة في عرض أراء الدكتورة نوال. وياليتنا حين نتصدى للرد أو التعليق ألا نهاجم شخصها أو خصوصياتها ونقترب أكثر من تفكيرها سواء وافقنا عليه أم رفضناه."

مداخلة.2
بعد مداخلتي علق أحد الشباب ( 25 سنه ) ويعمل طبيباً ، قال:
"نوال السعداوى شخصية مستفزة الى ابعد الحدود ولن اتكلم عن اراءها الشاذة مثل ان ينسب الرجل الى اسم امه او اعتراضها على نظام التوريث فى القرآن لانه لافائدة فى التحدث عن مثل هذه الاشياء التى تحدث عنها الجميع من قبل.ولكن اتحدث عن هيئتها وشعرها الابيض الذى يشبه القطن المستخدم فى العمليات الجراحية ...احيانا اشعر ان نوال السعداوى عبارة عن شيطان يتجسد فى شكل امراة وهل تعتقدون ان نوال السعدواى لها افكار تناقش ؟؟"
ثم يلصق صورتان للدكتورة وأسفلهما كتب عبارة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

مداخلة.3 "
يعلق شاب صغير ( 22 سنة ) – محامي بالقول:
"واللهى معاك فى كل إللى إنت قلته عن هذه المرآه التى تخطت كل الحواجز و القواعد و التى للأسف يفتح لها كل برامج التليفزيونات و لا إن كانت مصلحه اجتماعيه أو رائده و حسبى الله و نعم الوكيل فيها".

مداخلة – 4
علق أحد الشباب المستنير علي المداخلة السابقة بالقول:
"كان نفسى أقرا آراءكم عن أفكارها اللى انا مختلف مع نسبة كبيرة منها"
.
مداخلة.5
يرد الدكتور الشاب بالقول:
"عندما تقول انها معترضة على ان يكون للذكر مثل حظ الانثتين كما جاء فى القرآن ويجب تغييرها.كيف نناقشها؟ وعندما تقول ان الحج وطواف الكعبة هو نوع من الوثنية.ماذا نقول لها ؟؟ وعندما تقول انه يجب ان يكون هناك تعدد للازواج طالما هناك تعدد للزوجات!! وعندما تقول بالنص: ان المراة المحجبة والتى تغطى راسها تعتبر متخلفة وعقلها مغلق وعندما تدافع عن سلمان رشدى. نوال السعدواى لو كانت فى بلد يحترم الدين الاسلامى لتم إعدامها فى ميدان عام هى وأمثالها مثل نصر أبو زيد وغيره.لكننا للأسف تحكمنا أمريكا وإسرائيل التى يسعدهما بالطبع وجود امثال نوال وغيرها فى الاعلام. وعلى فكرة كل ما قالته نوال السعدواى كان فى برامج تليفزيونية وندوات وليس افتراءات صحفية."

مداخلة.6
ويعود الشاب المستنير صاحب المداخلة رقم 3 للقول:
"بالظبط كل اللى بتقوله. وانا عارفه وقريته فى كتبها اللى قريت منها كتير وشفتها كتير فى التلفزيون. ومختلف مع معظم افكارها زى ما قولتلك تماما .كل اللى انا معترض عليه كيفية التعامل معاها.زمان واحد كتب كتاب اسمه كدة : " لماذا انا ملحد " ما حدش قتله ولا طالب باعدامه. رد عليه واحد تانى وفند كلامه حتة حتة وكتب كتاب اسمه " لماذا انا مسلم " أظهر فيه خواء افكاره. ده اللى انا كان نفسى فيه فعلا".

مداخلة.7
ويلتقط الخيط المحامي الشاب وبقدرة قادر يتحول الي مفتي وقاض.قال:
"فى مسائل لا يتم المناقشه فيها و المناقشه فيها تعتبر درب من العبث و من هؤلاء هذه النوال و التى المفروض أنها تستتاب لمدة ثلاثة أيام فإن لم تتب يطبق عليها حد الرده و هو القتل .فالإسلام دين الله المتين و يجب ألا يكون لعبه بين دعاة البحث عن الحقيقه فيكفى أن نقرأ القرآن الكريم و السنه المشرفه لنتعرف على جوهر حقيقة الإسلام. أما أن نجادل أمثال نوال هذه فلا أرحب بذلك مطلقا لأن هذا هو الهدف من كلامها" .
"ولكن الموضوع الذى يجب مناقشته هو لماذا يتم الترويج لهذه الأفكار السامه فى الوقت الحالى و من هو المسئول عن مثل هذا الترويج و كيف يتم التصدى لهذه الأفكار و محاربتها و خصوصا و أنها تتجه لتدمير عقيدة المسلمين و التشكيك فى كل شيئ. ولى عوده بإذن للتعليق على الرددود و شكرا لكم".

الملاحظ أن الطبيب والمحامي الشابان قالا رأيهما دون أية مناقشة، أو ما يوحي بقبولهما لفكرة النقاش والحوار حول أراء الدكتورة. ولم يحتاج الأمر لأكثر من سبع مداخلات - وبالأحري مداخلتان لكل واحد منهما - لأن يصدرا الحكم عليها.والاثنان اتفقا علي وجوب قتل الدكتورة نوال. بالتأكيد مصيبة المحامي أشد لأنه يفترض أنه تعلم وتربي علي ثقافة الدفاع عن المتهم أولا. وللأسف فلا توجد تلك الثقافة ولا يوجد من يروج لها ولا من يتقبلها. لماذا؟ لأن المجتمع وخلال الهجوم الشرس لما نسميه بالردة الدينية وضع مثل تلك الثقافة أو التربية موضع التحريم الديني أيضا. وان كان الحل جاهز باستتابتها أي عرض التوبة عليها بعد أن تتبرأ من أفكارها وإلا فعقوبتها القتل.

ملحوظة ثانية وهى أيضا ملحوظة في غاية الأهمية والمرارة، فأصحاب الاتجاه الأصولي المتشدد لا يعطون لنفسهم الحق فقط أن يكونوا الحكم والجلاد كما رأينا، بل يعطون لنفسهم الحق في الوعظ والإرشاد والردود علي أي استفسارات قد تأتي حول نفس الموضوع. وعلي كل مناقشة الموضوع لم تأخذ أكثر من المداخلات السبع التي عرضتها وكما جاءت بالنقاش، وانتهت بإصدار الحكم علي المتهمة دون أن يحاول أحد مجرد مناقشة التهم المنسوبة إليها. أيضا لم يحاول أي أحد أن يضيف أي رد جديد مما حرم المفتي الشاب من تكملة تفسيراته وفتواه القيمة.

تعمدت أن أنقل إليكم كيف يفكر الشباب في مصر. وإلي أي حد غسلت أدمغتهم بالأفكار المتحجرة والغريبة. لو كانت هناك حرية في التعبير متاحة للجميع، وقدر من الوعي والتربية الصحية السليمة التي تفرضها ممارسة تلك الحرية، وأهمها قبول الآخر ومناقشته بدلا من قتله أو طعنه أو رجمه حتى الموت. لو كان ذلك موجودا، هل كان مثل أولئك الشباب يتحدثون بهذا الشكل عن الدكتورة نوال السعداوي أو غيرها.

وبطبيعة الحال تصبح محاولة قتل أديبنا الكبير الراحل نجيب محفوظ مفهومة الأسباب. ومعروف أن مجموعة من الشباب - لم يقرا أحدهم ورقة واحدة من أحد كتب الأديب الراحل – قد حاولوا قتله.
قيل لهم - فقط - أنه كافر ويتوجب قتله، وكان عليهم التنفيذ دون مناقشة أو فهم. وقبله قتلوا كاتبا متميزا "فرج فودة". ومحاولات عديدة جرت لتصفية الكثير من الكتاب والصحفيين.

لا حظ أن هذا ما يفعلونه بالعراق الآن بجدارة واستحقاق، غير أنهم أضاقوا لقائمة الضحايا التلاميذ أيضا والمدرسين وأساتذة الجامعات. ولعل المعني واضح في قتلهم لأفراد لا يملكون من أسلحة سوي فكرهم وأقلام وأوراق بيضاء يسطرون فوقها أحلامهم وأحلام بلادهم بصباح أفضل واَمن للجميع.

لنأخذ موضوعا آخر كتبه شاب ليبي عمره 16 سنه وبعنوان "سنن الذبح" . والحقيقة أنني حين قرأت ما كتبه هذا الشاب أصابني الرعب والهلع. كنت أتخيل من عنوان الموضوع أنه سيتحدث عن سنة ذبح الطيور أو حتى البهائم، فإذا به يتحدث عن سنن ذبح الآدميين.!! اقرأوا معي وستعرفون أي مأزق نعيشه تحت رايات الفكر الديني المتخلف وماذا فعلوا بعقول وتفكير شبابنا البائس.

"اخى انت تقول حزب الله ما يقتل فى النساء العاريات و القاعده تقتل النساء العاريات . نعم كلامك صحيح و لو انا زعيم للقاعده كنت حعمل نفس الشئ لان هذا حكم الله و هذا الدين الاسلامى و هذا الدليل ان القاعده تتبع دين الله و تقيم حكم الله فى الارض و لو لم يفعل ذلك فى العراق لكانت الفاحشه انتشرت مثلما انتشرت فى لبنان بوجود حزب الله الارهابى .و بالنسبه الى قطع الرؤوس انا احيئ كل مجاهد يقطع رؤوس الخونه مهما كانت ديانته المهم ان يثبت خائن للامه و متعاون مع العدو و هذا مش حرام هذا حلال و هذا الصح الدليل على مشروعية سنة الذبح"

ثم يكمل بسرد "الدليل الشرعي على سنة الذبح" كما جاءت بكتاب الله تعالى وحسب فهمه المريض والقاصر والمتخلف.

لا حاجة للتأكيد علي أن هذا الدليل الشرعي هو أراء سلفية غبية ومتشددة في فهمها لدرجة الحماقة والجهل. والمصيبة أن هناك الآن من مشايخ وأبطال الفتاوى من يشجع مثل تلك الآراء، بحيث أصبحت تشكل الجزء الكبير من وعي الشباب صغار السن، الذين يرون في إتباع بل وتنفيذ مثل تلك الآراء المريضة نوعا من الجهاد والبطولة لرفع شأن الدين، والفوز الثمين الذي سيتبع ذلك بدخولهم الجنة حيث أنهار الخمر، وحور العين، أو الجنس المجاني كهدية مؤكدة لأصحاب الجنة من المجاهدين.

وتصبح المصيبة أشد حين يشكل كل ذلك "ثقافة المجتمع". فيصبح القتل مبرراً، والسرقة والسبي جائزاً، وحرق البيوت وأماكن العبادة مشروعا.!! ويعد كل ذلك جهاداً في سبيل الله ونصرة دينه. وبالتبعية يكون هناك دائما تسامحا مع القتلة واللصوص الأغبياء والكسالى الذين يرتدون أقنعة المجاهدين في سبيل الله.
هل لازلت بحاجة لرأيي في الدكتورة نوال السعداوي.؟! علي كل، سيظل فكر الدكتورة نوال موضع خلاف كبير مع الجميع. كل ما سأدعو إليه أن نتحاور معها، ونرد علي نقاط الخلاف معها بفكرنا ورأينا الحر، ونترك لها نفس الحق تمارسه، ولتقل ما تشاء. متمنيا لها السلامة والعافية.

السبت، أغسطس ١٨، ٢٠٠٧

3 - حوار مع الشاعرة السورية ثناء حيدر ..

إذا خيروك يا سيد الجمال أن تسافر إلى مكة لقضاء فريضة الحج على نفقة الدولة، وبين إلقاء محاضرة ثقافية في دولة عربية أو أجنبية على نفقتك الخاصة ..فأيهما تختار ولماذا؟

بخصوص العرض الأول ( السفر الي مكة ... الخ ) فصدقيني سأرفضه حتى لو جاء حقيقة، رغم صعوبة بل استحالة أن تعزمني الدولة لقضاء فريضة الحج. لماذا الرفض ؟! أقول لك. حسب فهمي المتواضع للدين، يجب أولا أن أكون مهيأً نفسياً لمثل تلك الرحلة، وحتى الآن هذا لم يحدث. وثانيا أؤمن أن مثل تلك المناسك لا يصح فيها العزومة لا من الدولة ولا من غيرها. إذا جاء الوقت المناسب سأذهب علي نفقتي الخاصة وبالقدر الذي يحقق لي الراحة والفهم ثم الارتواء. وعلي كل حال يا سيدتي، فقد حصلت علي لقب ( عم الحاج ) وبالمجان منذ مدة طويلة. والغريب أنها بدأت ببغداد حيث لاحظت – في السنوات الأخيرة من إقامتي هناك - أن بعض الشباب من المعارف أو غيرهم يبدأون حديثهم معي بكلمة ( حاجي ) . ثم في مصر أخذت اللقب رسميا وشعبيا وأصبحت ( عم الحاج عادل ) لكثير من الناس . الجميل في المسألة أنني وفور أن ( لطشني ) هذا اللقب تذكرت كلمة أمي التي كانت تقيمني مع كل زيارة سنوية لها. تلك السنة نظرت إلي وقالت ( كبرت ياعادل ). لها حق ومعهم حق ببغداد وبمصر، فالشيب قد زاد ولون شعر رأسي بدا غريبا حتى لي، للدرجة أنني حين كنت أنظر للمرآة كنت أقول وأنا مندهش: مين عم الحاج ده.؟!!

واعتقد أنني لن أتمكن أيضا من تنفيذ العرض الثاني أو البديل الثاني . أصاب بالرعب والهلع عند مواجهة حشد غفير، هذا صحيح حتى أنني أحسد كل من له القدرة علي ذلك وأولهم الممثلون فوق خشبة المسرح. هي تجربة مرعبة لي تصيبني بالدوخة والهذيان وعدم التذكر ووقتها أبدو - بالتأكيد - وكأن نوع من الغباء والبله حط علي وجهي. ورغم عشقي الكتابة للمسرح والسينما كما ذكرت لدرجة إنني أترك خيالاتي تحرك الشخوص بأمور أستغرب أن تحدث منهم. فدائما ما أتذكر مواقفي الخايبه في كثير من لحظات المواجهة بكلمات جميلة لنجيب سرور وأداء رائع من عم الشيخ إمام وهو يقول:
.
بيني وبينك سور ورا سور
وانا لا مارد ولا عصفور
في ايدي عود . ( قوال ) وجسور
وصبحت أنا في العشق مثل ..
.
وعلي كل حال، وكي أعطيك إجابة حقيقية لما يمكن أن يحدث طالما رفضت ما تفضلتي به من أفكار واقتراحات. فبالتأكيد مادامت الأمور تمشي علي نفقتي الخاصة. فسأرتب لرحلة لأماكن جديدة أحب أن أراها، وأعيش مع الناس هناك وأتعرف عليهم. بلاد الله واسعة وخلق الله كثيرون والمسألة تستحق الكد والسعي من اجل مزيد من المعرفة والفهم والتقارب وأشياء أخري كثيرة قد تأتي في حينها. وهذا باعتقادي ضمن صحيح الدين أيضاً
.
.

الجمعة، أغسطس ١٧، ٢٠٠٧

2 - حوار مع الشاعرة السورية ثناء حيدر ..

ماهي أفضل أغنية ترددها بين الفينة والفينة ومن هي مطربتك المفضلة ومن هو مطربك المفضل؟

هل تستغربين لو قلت لك أنه ليس عندي مطرب مفضل أو مطربة مفضل. أعشق الاستماع لجميع الأصوات الجميلة والدافئة والمعبرة، والتي تمس قلبي دون استئذان ودون تكلف ودون تذويق أو تجميل. من أجل ذلك قد أقضي وقتا طويلا أستمع لأصوات مجهولة للباقين، وربما لا يرغبون في الاستماع إليها.
أتذكر أنني مرة كنت أجلس بأحد المقاهي بشرم الشيخ وجاءت فرقة مصرية بصحبة الكثير من الآلات الموسيقية. وكانت المطربة فتاة صغيرة بحجم عصفورة جميلة. وأخذت تغني (للآخرين). لكن بصوتها هي ودون أي محاولة للتقليد أو التصنع. ووجدت نفسي أسبح مع نغمات ورقة صوتها لعوالم بعيدة وجميلة حتى أن طفية السيجارة هبطت هي الأخرى بهدوء ورفق لتستقر فوق إسورة قميصي لتحرقه في شكل دائري صغير، دون أن أشعر، ولتترك لي وساما جميلا وذكري طيبة لتلك الأمسية الجميلة.الشئ الاّخر. أنني ومنذ صغري لا أطيق الاستماع لأغنية طويلة كاملة إلا في حالات قليلة وتوفر شروط عديدة، أهمها ألا يكون معي أحد سوي عادل. وأن يكون مزاج الاستماع جاهزا للتنقل والسفر لمسافات أبعد. وأستعيض عن ذلك بحبي للاستماع لمقاطع معينة من معظم الأغاني.

اليس لي حق ألا يكون لي مطربا أو مطربة مفضلة ؟ ومكتبتي الغنائية تضم أغاني الست وفريد وعبد الوهاب وحليم وفايزه ونجاة وورده وقنديل وفوزي وشادية وطلب وهدي سلطان ونجاة علي وكارم والشيخ امام والشيخ سيد وحتي أغاني للست منيرة والست نعيمه المصرية وصالح افندي عبد الحي وعبده السروجي وناظم الغزالي وملحم بركات وفيروز وعوض الدوخي وصباح فخري ومحرم فؤاد ومتقال.وحبيبتي مياده الحناوي ومدحت صالح وعادل مأمون وشريفة فاضل ومها صبري . أستطيع أن أكتب أسماء كثيرة وحتي الصباح التالي لو كان لديك الوقت.

كنت أنوي اهداء الزملاء ثلاث أغاني جميلة: مسيرك ها تعرف لشادية، وعلشان ماليش غيرك لفريد، والمقطع الأخير لحليم من موعود. دعينا نبدأ بحليم والكوبليه الأخير من موعود، وتأملي نبرة الجمال المغلفة بالحزن الإنساني الراقي والدفء والحنان والقوة، وهو يغني، وتأملي جمال موسيقي بليغ وانسيابها بكل هدوء وحنان وجمال مع صوت حليم. أشعر أنه يغني لي أنا علي وجه التحديد. واعتقد أن هذا هو نفس شعور كل عاشق ومحب سواء كان رجلا أو امرأة.

ماهي حكمتك المفضلة؟ ومن هي الشخصية التي تأثرت بها؟

ماينطبق علي الموسيقي والأغاني ينطبق أيضا علي حكمتي المفضلة والشخصية التي تأثرت بها. الحياة أرحب وأجمل من أن أسجنها داخل قول ما حتي لو كان مأثورا. وليس علي سوي التفاعل معها كل صباح جديد بما يحمله من أقوال مأثورة أو غير مأثورة. نفس الشئ بالنسبة للشخصية التي تأثرت بها. هم كثرة والأجمل أنني أستطيع أن أجد في كل شخص أقابله للمرة الأولي شيئا جديدا ومميزا وقد أتأثر به.
هناك بالتأكيد من حفر بداخلي طرقا للمعرفة ولتعليمي كيف أحب الناس. منهم أساتذة أفاضل وكتاب وفنانين وحتى أناس عاديين. لكن المهم أن كل تأثيرهم يمضي لحاله ولا يتبقى منه سويمدي تفاعلي بما قدموه لي من دروس وقيم. بهذا المعني فأنا أدين للعديد من الناس، وبالمعني المضاف فأنا أكسب كل ساعة شخصية تستحق أن أتأثر بها.
.

الخميس، أغسطس ١٦، ٢٠٠٧

1 - حوار مع الشاعرة السورية ثناء حيدر ..

السيدة ثناء حيدر شاعرة سورية جميلة ورقيقة وهي تجيد فن كتابة الشعر سواء كان بالفصحى أو الشعبي باللهجة السورية . وهى زوجة لشاعر سوري قدير وهو الصديق الأستاذ جعفر حيدر . تشرفت بمعرفة الاثنان بمنتدى نغم www.nagam.org الذي أتشرف بالكتابة فيه وبكثير من الصداقات الرائعة لكثير من الشعراء والموسيقيين وكتاب المقالات بمختلف أنواعها والأهم بكثير من الصداقات لكثير من الشباب الواعد. ورغم الخلاف في الأفكار – وذلك قدر لا مفر منه بل هو نوع من الأقدار المطلوبة لديمومة الحياة والتواصل الإنساني . فنحن جميعا ككتاب في هذا المنتدى الرائع نؤمن بضرورة الخلاف وأنه ومهما كان فهو بغير قادر علي إزالة ما بيننا من ود واحترام. والمنتدى يملكه ويشارك بالكتابة فيه الصديق العزيز والملحن السوري خالد ترمانيني http://www.khaledtrm.net/ إضافة للكثير من المواقع الأخرى التي تتحدث عنه والتي يمكن للقارئ الحصول عليها بمحرك البحث جوجل. ولا يمكن لزائر المنتدى، وأيضاً معظم كتابه الجدد أن يشعروا أن هذا الرجل هو مالك المندي فهو علي لا يمنع ولا يصادر ولا يحجب ولا يسفه رأياً بل يرد بأدب وإيجاز مما جعلني أطلق عليه اسم " الحكيم الصامت ". فهو بإيجاز فنان يؤمن بالحرية والحق في التعبير بكل وسائل الفن المتاحة كما أن ثقافته وفكره مرتفعان للغاية. وأشعر أن هناك حالة من التواصل الإنساني الراقي والمغلف بالحب والتقدير والاحترام يجمعنا جميعاً . ومعرفتي بهذا الفنان تزيد علي الثلاث سنوات ولا أتذكر أنه طيلة تلك المدة كتب مواعظ أوسن قوانين لشروط الكتابة أو قام بشطب موضوع أو حجبه أو طرد عضو بالمنتدى. وهو يقول ببساطة شديدة أنه لا يحب أياً من تلك الحلول.
كتبت السيدة ثناء موضوعا جميلا وناجحا " فنجان قهوة ودردشة " وكنت أحد ضيوفها ، وكان علي الإجابة علي أسئلتها التي أعترف أنها كانت ذكية ومركزة . سأختار بعضا من تلك الأسئلة وأجوبتي عليها والتي أعتقد أنها تكمل ما يمكن أن أسميه الخط العام الذي يحكم تفكيري . كان السؤال التالي أحد الأسئلة التي وجهتها لي ولم أكن أتوقعه.
9- إذا رن هاتفك الجوال وكان من إحدى المعجبات وأكيد هنّ كثرٌ، وبقربك زوجتك. كيف تتصرف؟ صف لنا حالة الأستاذ عادل في هكذا موقف.
لا أدري لماذا حكمك بأنهن كثر ؟!! وعلي كل "لماركيز" - الكاتب الكولومبي المشهور وصاحب رواية مائة عام من العزلة والحائز علي جائزة نوبل ، كتاب صغير وجميل أسمه " رائحة الجوافة " وفيه يحكي عن نفسه، وعن زوجته مارسيدس وهذا هو أسمها. ولأنها تعلم مزاج ماركيز وتقلباته، ونظرات الإعجاب التي كثيرا ما تحوطه من النساء. فقد قبلت ألا تعكر عليه أي لحظة من تلك اللحظات التي يعشقها الرجل. فما بالك لو كان رجلا من نوع ماركيز. حين يجلسان بأحد المطاعم وتراه يحملق بأحد السيدات أو يتبادل معها النظرات، فإنها تسحب كرسيها للخلف بهدوء، ودون أن تبدي أنها تفعل ذلك عامدة. لكي تفسح له المجال لرؤية تلك المرأة والتمتع بلحظات النظر وتبادل الابتسامات والحديث معها عن بعد. ومع ذلك فهي تحب ماركيز وهو يبادلها نفس المشاعر.
أعترف لك أن هناك – في شخصية الرجل - ثمة خطأ. ولعله خطأ من النوع المركب. وأنه بهذا الفهم فالمرأة أنقي وأخلص من الرجل. لا أدري ما هو السبب؟ هناك تبريرات عديدة لذلك. لعل أهمها أن شرارة الحب تنطفأ بعد حين، ويلزم ما يثيرها بين كل وقت وآخر. وإلا تحول معظم الأزواج إلي أشياء متشابهة كما هو حادث بكل بلاد الله وليس بمجتمعاتنا فقط. شيء يأخذ في الغالب الشكل الرسمي والوقور للحاج سيد، وكرشه ممدداً أمامه، والعرق يغطي وجهه. وأصوات "الولاد" يزعج قبيلة، إلا أنه مبتسم دائما. سعيدا ببلاهة وأمامه كوب الشاي وطبق الكعك، أو طبق ساندويتشات لانشون وبيض مسلوق وزيتون أخضر وأحيانا أسود. وعلي الضفة الأخرى من الكنبة بمسافة لاتقل عن المتر والنصف تجلس زوجته الحاجة سيده. وبجوارها طبق مماثل والاثنان يأكلان باَلية وهما مشغولان بالكامل في متابعة فيلم مصري قديم شاهداه العديد من المرات.
نموذج لا يعرف ولا يريد أن يعرف ماذا يدور خارج المنزل وليس خارج الحي الذي يسكنان به، فضلاً عما يدور من أحداث بباقي الدول. وهما يشكلان أيضاً نموذجاً أصبح سائداً ويشكل القاعدة . فهما لا يشعران بالملل أو الحنق أو القرف أو الغيظ أو الخوف أو الرغبة في اكتشاف الأفضل في العلاقة بينهما. حتى أنهما حكما علي نفسيهما بالعجز والكبر قبل أوانه. فالمرأة أو الحاجة سيده اكتسب جسدها كمية كبيرة من اللحوم والشحوم. وضاعت كل معالم الأنوثة بين الحجم الضخم المكتسب وبين الشعور بالعيب، وتفانيها في خدمة الحاج سيد وأولادهما. هذا نموذج مكرر بالألوان وأيضا بالأبيض والأسود. أو الأسود والأسود. رغم أنني أتحدث عن نموذج لا يزال شبابا بحسابات العمر، ولنقل أنهما في الخمسينيات أو أزيد. وهو عمر لا يجب أن يكون لتخزين الدهون والنوم والشخير فقط . لكن هذا هو الحادث. ربما كان دور المرأة فيه يفوق دور الرجل. لماذا؟ لأنها قبلت أن تستغني عن عقلها وفكرها الأنثوي بل هي استغنت بالكامل عن أنوثتها التي هي وجه لجمالها ومحرك وحافز لقبول الرجل بها كزوجة وكملهمة وعشيقة. وبالتأكيد سيجد الرجل في ساندويتشات اللانشون والبيض المسلوق والزيتون الأخضر أو الأسود ما يفتح شهيته أكثر من تلك الأنثى الجالسة بجواره ومشغولة مثله بالأكل.

بالنسبة لي لم أتحول بعد لنموذج الحاج سيد وسأناضل لآخر نفس لكي لا أتحول إلي هذا النموذج. ولا زوجتي أصبحت الحاجة سيده. اخترنا طريقا وسطا. فهي تعرف كل شيء عنى، وأتركها تتابع الحديث بيني وبين أية واحدة. وأحاول السيطرة علي الحديث حتى لا أجرح مشاعرها أو تسوء الأمور.!! وفي كل الأحوال هناك حدودا لا يجب أن أتخطاها في مثل تلك المواقف أو غيرها. وبالمناسبة زوجتي سيدة رائعة بكل المقاييس وهي محجبة من قبل أن نتزوج، وذات شخصية مؤثرة إضافة لكونها مثقفة، وإن كانت ثقافتها بعيدة عن نوع ثقافتي وما أهتم به. ومع ذلك فنحن مثلاً نشترك في حبنا للاستماع للموسيقي الراقية والأغاني الجيدة لمطربين ومطربات كثيرون . وهي تجد متعتها في ختم قراءة القراَن بين وقت وآخر، وأعتبرها هدية من السماء لي. ومع مرور السنوات وتشجيعي وفخري بتقدمها وإجادتها في عملها فقد أصبحت مرموقة في عملها، ووظيفتها تعد ضمن الوظائف الراقية، خاصة وأنها تعمل بمجال لا يعترف بالوساطات أو المجاملات .
لماذا أقول كل ذلك ؟! لأنني لم أفاتحها مرة واحدة لأطلب منها - منذ تزوجنا - بأن تنزع الحجاب وتظهر شعرها. رغم أنها تعرف رأيي جيداً في هذا الموضوع وتحاورني فيه. الأمر الآخر والهام أن حدود الثقة المتبادلة بيننا ليس بضمنها خط أحمر حتى أن الكثير من معارفنا وأصدقائنا نشعر بحسدهم لنا. وطبيعي أن تثمر تلك المشاركة الرائعة والتفاهم والإخلاص علي طريقة تربيتنا لأولادنا. فأبني الأكبر يدرس للحصول علي رسالة الدكتوراه من جامعة فيينا. ورغم صعوبة الحياة هناك لشاب مثله فهو يصر وبتشجيع مني وزوجتي أن يتزوج بشكل شرعي. وتعلمين أن الزواج أحد مفاتيح الحلول لمشاكل كثيرة تواجه الشباب. أما ابني الأصغر فهو يدرس بأحد الجامعات المرموقة ويدرس تخصصاً هاما ومطلوباً. والممتع في كل ذلك أن علاقتهما بنا علاقة صداقة وتفاهم مما يتيح لنا الكثير من الحوارات الجميلة ومزيد من التقارب بالتعرف علي أفكار بعضنا البعض. وكأنه نوع من التواصل الإيجابي بين الأجيال.
الست محقاً حين أقول وأكرر أن المرأة انقي وأجمل وتستحق من الرجل كل التقدير والفهم والاحترام . وتستحق أن ندافع عن حقوقها خاصة للذين يعتبرونها " شيئاً " ضمن مقتنياتهم فيتعمدون مسخ شخصيتها وحرمانها من أي حقوق كفلها لها الله والشرع والضمير الإنساني السوي وليس المرضي.
10-يعجبني مظهر الرجل الخارجي لباسه الرسميّ ( البدلة - أو الطقم ) الساعة التي تزين يده ، والبارفان الذي يستخدمه طبعاً يهمني بالدرجة الأولى جوهره وحضوره وثقافته... ماهي صفات المرأة التي تلفت انتباه الأستاذ عادل؟ عدا الجوهر .

لا أدري لماذا لا أحب وضع ساعة في يدي. تشعرني بأن يدي موثقة بقيد سخيف مهما كان جماله. وأي قيد وتلك الساعة اللعينة تذكرني دوما بالوقت.!! أفضل النظر للموبايل لمعرفة الوقت. أو السؤال وكثيرا ما فتح سؤالي عن الوقت لحوارات جميلة مع خلق الله.

أيضا . لا أحب وضع بارفانات، ولا أطيق رائحتي إذا ما وضعت بارفان حتى لو كان من النوع الغالي جدا. الغريب أن هناك بعض البارفانات تضعها بعض السيدات خاصة ذات الرائحة الهادئة تدير رأسي إذا ما شممتها، وتجعلني أحلق لعوالم جميلة. أمر آخر وهام وهو أن زوجتي لها تقريبا نفس قياساتك للحكم علي أناقة الرجل، غير أنها تضيف شرطا آخر وهو لمعة الحذاء. فهي تري أن الرجل الشيك يجب أن يكون حذاءه نظيفا ولامعا. وفي الحقيقة أنا أفتقد ذلك أيضا. لا أتذكر أن حذائي كان لامعا إلا إذا كان جديدا.

المشكلة أنني كسول للغاية ولا أستطيع الانحناء للإمساك بالحذاء وتنظيفه. من أجل ذلك أجد متعة ما بعدها متعة لو جلست بأحد المقاهي أن أعطي الحذاء لعامل التنظيف بعد أن يحضر لي قطعة من الكرتون لأضع قدماي فوقها، وأجلس بعد ذلك مسترخيا ممدا رجلاي، ولا أنشغل بأي شيء سوي شعوري بالراحة بعد تحررتا قدماي من ذلك الحذاء اللعين. هي متعة بالفعل رغم أنني – وحتى الآن – لا يزال يخطر ببالي هاجس أن العامل سيأخذ الحذاء ويهرب، فماذا يمكنني عمله. لا شيء طبعا يمكنني عمله سوي أن أظل أضحك.
لا أدري كيف سيكون تقييمي بدون ساعة يد وبدون بارفان وبدون حذاء يلمع؟!!

ثمة أمر آخر. أعشق لبس البذلة كاملة لكن في الشتاء فقط، بما في ذلك وضع منديل جميل وملون في جيب الجاكت. وأنشغل به طوال الوقت لتعديل منظره. ومع ذلك فلا أطيق النظر لأحد يرتدي بذلة كاملة في لهيب الصيف، وأعتبره شخصا مجنونا. ليس لدي القدرة علي لبس أي نوع من منها في الصيف وأيا كانت المبررات. أحيانا تستدعي الظروف ذلك. كأن أكون معزوماً في حفل عرس، وأضطر بعد معارك شرسة مع زوجتي لارتداء بذلة صيفية. وفي معظم الأحوال فإن تلك الليلة تتحول لليلة نكد علي وعلي زوجتي، وعلي أصحاب العرس أيضا المجانين الذين يقيمون هذا الحفل في تلك الأجواء الساخنة بالرغم وجود المكيفات.

من أجل ذلك فأنا في الصيف أرتدي طوال الوقت الملابس الكاجوال وبأكبر قدر من الاتساع والفضفضة والجيوب الكثيرة بالبنطلون شرط أساسي أيضا. فمتعلقاتى كثيرة. أو أنا أعتقد أنها كثيرة لذا أحرص علي أن يكون للبنطلون جيوب كثيرة وكبيرة فذلك يشعرني بالراحة.

لماذا حكيت عن كل ذلك؟ لأنك سألت عما أحب في المرأة؟ أحب فيها ما أحبه لنفسي وأتفهم مبرراتها في الملبس. أعشق الشياكة والأناقة للمرأة لكن بدون تكلف أو تذويق مبالغ فيه. في الغالب المرأة التي تضع أطنانا من الألوان فوق وجهها لا تثيرني ولا أهتم بها. وكلما نظرت إليها أتذكر منظر البلياتشو بالسيرك. أحب المرأة حين تساير " الموضة " وتهتم بخطوط وانسياب ملابسها وألوانها وما يتوافق مع طبيعتها وطبيعة جسمها. المهم ألا يكون هناك تكلف أو مبالغة. وبنفس القدر تعجبني المرأة التي ترتدي الكاجوال أيضا. وهناك كثيرات منهن يكون حضورهن أرقي وأجمل بالجينز والتي شيرت مثلا .

ومع كل ذلك تأسرني شخصية المرأة وحضورها أكثر من ملابسها وبارفاتاتها . فبعد أن أمتص صدمة البارفان والملابس الجميلة، أنتظر منها ماذا ستقول وكيف ستعبر عن نفسها. وإلا فالإستذان يكون واجبا وتلك واحدة من حكم صديق لي.

السبت، يوليو ٢٨، ٢٠٠٧

8 - قراءة الشعر. تكملة قراءة قصيدة أصداء في ملكوت الصمت.

يظل الصراع بين الروح والجسد متواصلا ولكل أسلحته وفهمه . قد تضل الروح وقد تشرد وقد تهيم وقد تتخبط ، إلا أنها تظل – أبدا - موصولة بالجسد في أيا من تلك الحالات . ليظل الصراع الأبدي بينهما مستعرا ( تيه بين بين – الروح والجسد ).
نحن أمام قصيدة ذاتية – تماما - تصف نوعا من هذا الصراع ، صراع المعرفة مقابل الرغبة وحاجة الجسد . في هذا الصراع تتيه الروح لتقول كلمتها التي هي في الغالب أسئلة بلا أجوبة ، فيستمع الجسد وهو يراقب ويئن ويعلن عن ظمأه وشوقه لرشفة ماء ، وليس عليه - للخلاص - سوي أن يقتلع نفسه من تلك الروح المتمردة كثيرة الأسئلة . ليعود من حيث بدأ ليطفأ ظمأه ثانية . ثم يعاودان الكرة من جديد . تيه للروح ، فغربة وتساؤل ، ثم عطش وسراب – حتى يؤدي الجسد دوره لرحلة العودة ثانية . وتقديم إجابات منطقية عجزت الروح عن الوصول إليها . فالمكان هو نفس مكان البداية ، والظمأ يعرف الجسد كيف يرويه ....
حوار وفعل متبادلان بين الروح والجسد . يتم في صمت ودون أن تفصح الشاعرة عمن يقود من . أشبه بديالوج صامت . يتبادل الحوار فيه الروح والجسد ولغتهم هي الصمت ومزيد من محاولات الفهم .
العودة إذن هي عودة مادية للشاعرة لمكانها المعتاد – بعد أن شاهدت ولاحظت وراقبت – رحلة روحها وبحثها المتواصل ورصدت الحوار أو المنولوج الصامت بين روحها وجسدها وهما في حالة انفصال ...

حسناً . لن أنام
سأحاول تقرّي دروبي
و معرفة ما يطويه الظلام
سوف أدخل هذا الزحام
خطوة
خطوتان
ثلاث
فقاعة آولى ...
حطام
فقاعة ثانية ...
ركام
فقاعة ثالثة ...
أوهام
من سيكون شاهداً عليها
سوى الأموات؟

ولأنها روح متمردة وباحثة عن الحقيقة ، فقد قبلت التحدي بالبحث ومعرفة ما يطويه الظلام من مخاوف ومجاهل فقررت أن يكون التيه هذه المرة نوعا من التحدي بدخول ( الزحام ) . زحام البشر ، ربما . زحام الكلمات والصراخ والضجيج ، ربما . وربما كان هذا وذاك . فتعاود الكرة برحلة أو تيه جديد . ولأنها واعية بما هو الزحام ، وما هي الظلمة وما تبعثه من مخاوف - رغم رغبتها في المعرفة - فقد قررت أن يكون التيه أو الرحلة لهذه المرة لثلاث خطوات فقط .
ماذا وجدت ؟!! أو ماذا عرفت ؟ أليس هذا ما تريد ؟ المعرفة !!
خطوة أولي كانت هي الفقاعة الأولي مجرد حطام . اقتربي أكثر، فقد تعرفين أكثر . وتقترب خطوة ثانية ، فلا تجد سوي الفقاعة الثانية ، وكم من الركام .
لابأس فلديك الخطوة الثالثة والأخيرة . وتخطوها فلا تجد سوي الفقاعة الثالثة ومزيد من الأوهام ..... هل بإمكان ثلاث خطوات أن تطوف بنا في كل تلك العوالم المتهالكة من الحطام والركام والأوهام ؟!!! عبور المكان والتنقل بحرية من مكان لأخر ، وما يعني ذلك ضمنا من التنقل أيضا عبر الزمن . لا يقدر الجسد الإنساني علي ذلك أو علي تحمله . وهي تفطن لذلك فتقرر بأن الأموات وحدهم هم شهود تلك العوالم . هل هذا صحيح ؟ نعم . فالموت لا يعني أبدا موت الروح بل يعني - ضمن أشياء كثيرة يعنيها – أن الروح ستحرر من سجنها وسجانها ( الجسد ) بحيث تصبح طليقة وحرة وسابحة عبر المكان والزمان ومهما كان البعد والاختلاف بين المكان والزمن .!!!

و إذا صدقت رؤيتي ، فيمكنني القول أن الشاعرة كتبت قصيدتها وهي واقعة تحت تأثير مؤثر قوي ، والأغلب أنها كانت معاناة جسدية ونفسية هائلة أطاحت باتزانها الظاهري فلم يتبق لها من وسيلة للمعرفة والتواصل والتناغم سوي تيه روحها ما بين عوالم الصمت والظلام للبحث والمعرفة وإيجاد اتزانها المفقود .
ولأن روح ( الشاعرة ) روحا تبحث عن السمو والمعرفة والاتزان الضائع ( سأحاول تقرّي دروبي و معرفة ما يطويه الظلام) فقد أحست أنها خدعت بعدما حلقت في سموات تلك الممالك الثلاث ولم تجد شيئا يستحق الذكر . بل عوالم من الزيف والخديعة والوهم والركام ، لعله عالم الخيال الذي نعيشه ولعله صدقا عوالم مادية نعيشها . وكأنه تأكيد للانفصال الروحي وما يعنيه من عذابات . فقاعات تتوالي وجميعها فارغة من أي مضمون أو معني . حتى أن الشاعرة تجد نفسها داخل فقاعة للكلام !!! الكلام بما يعنيه من تواصل بين البشر وما يرسمه من أشكال للحقيقة والخيال ، للكذب والصدق ، للمعني والعدم . تخيل معي أن الكلام أصبح للبشر هو مجرد أصوات تصدر دون أي معني أو قيمة . فلا تملك سوي أن تردد بأسف أو ( بغباء ) أن الرحلة أو التيه لم تكن سوي ولوجا داخل فقاعات تتداخل ببعضها وجميعها فارغة وتافهة بلا مضمون أو معني . هل يمكنني القول بأن ما اكتشفته كان أمرا متوقعا - علي الأقل بالنسبة - لها ؟ وأن العوالم التي نعيشها أو نهاجر إليها بأرواحنا هي محض ركام وأوهام وزيف . ومن هنا كان الشعور بالغباء . وكأنه نوع من معاقبة النفس والروح فلا جديد يمكن أن يأتي ، بل مزيد من انفصال الفكر عن الواقع ، والخيال عن الحقيقة . وكأنها تؤكد ما هي عليه من انفصال بين روحها وجسدها .
ثم هي تقرر أن تترك قيادها إلي الجسد . والجسد منهك ومتعب وصامت . فما تفعله الروح يؤثر حتما بالسلب والإيجاب عليه . فلا مفر بالنسبة للجسد من النوم . لعله يستريح ولعل تلك الروح القلقة والمجهدة من البحث والتقصي تأخذ قسطا من الراحة أيضا . حل سهل ومجاني وبه الضمانة الأكيدة لعودة الروح والجسد للالتقاء والراحة . المؤكد أن الروح في تلك المرحلة لها من القوة والسطوة والتأثير علي الجسد الكثير . فهي لا تستسلم لكل صراخه الصامت ولا لاعتراضاته ، فهي التي تقرر بداية عدم النوم ثم مواصلة البحث وحتى اجتيازها عتبات عوالم الزيف ثم تسليمها بكل ذلك . وكأنها تقول له بأسي ، بعد تلك الرحلة المضنية وذلك الانفصال المتعب في كل شيء : هيا يا صاحبي لقد خدعت . هيا لنستريح قليلا . فيجيبها فرحا : هيا إذن لننام فالنوم خير ترياق لنا. لكنها كانت تسعي لشيء أخر . يظل مسعاها في البحث والمعرفة حتى أثناء النوم ، وعبر الحلم الذي قد يعوضها عما وجدته من خديعة وزيف. النوم للروح هو مواصلة للبحث عبر الأحلام وهو في نفس الوقت أمر لازم لراحة الجسد المنهك .
كيف تكون أحلام مثل تلك الروح الشاردة . هي أحلام أشبه بالكوابيس ، لكنها كوابيس لها معني ، ولها في الخيال وجود ، ومن رحلات الروح تستمد رصيد كبير من الذكريات . أحلام بالكاد تأتي لكنها غير كافية لتشيع جنازة فجر قتيل أو ميت ، لا يهم فهو في كل الأحوال لن يأتي . صور يختلط فيها الخيال برصيد من الذكريات والتجارب المرة فترسم لنا الشاعرة جنازة لفجر لا يأتي ، وأحلام تتساقط مثل المطر قبل الأوان ، ويقظة للفجر وعلي خده قطرة حمراء .
يالها من وسيلة قاسية لمعاودة البحث عن الإتزان الضائع ويالها من وسيلة رائعة لراحة الجسد والروح
..

الأحد، يوليو ٢٢، ٢٠٠٧

7 - قراءة الشعر. قراءة لقصيدة " أصداء في ملكوت الصمت "

شيء ما من في كلمات تلك القصيدة يتسلل بداخلي كلما قرأتها ليهمس مخاطبا روحي قبل عقلي فيصيبني بنوع من الخوف والقلق، حتى أنني شعرت بعدم القدرة علي الكتابة عنها. ومع ذلك فمحاولاتي لفهمها متواصلة وإن كانت مضنية. أكتب القليل وأتركه أياما وأعود ثانية لما كتبت لأضيف عدة كلمات قد لا تفيد. فسيظل المعني الكلي عند الكاتبة التي نجحت بقدر كبير في رسم وتصوير معاناتها وتركتني أتخبط في الظلام دون قدرة علي تركها . فأنا أحبها وأحب تلك الطلاسم التي جاءت بها وأحب تلك الصور السريالية التي توحي بها كلمات القصيدة .

لا أستطيع أن أقرأ تلك القصيدة وإعطاء تفسير واقعي أو معان متداولة ومألوفة لما جاء بها من صور . ولا أعتقد انه بإمكاني أن أحيل المعاني الواردة إلي صور أو قيم رمزية تقبل التفسير والمصالحة مع الكلمات وأشعر أن الكلمات عاصية علي التفسير لكلتا المحاولتين . ولا يتبقى عندي سوي افتراض للفهم أخير .

حتى شهر زاد لا تعترف بأن ماكتبته قصيدة. وهي تسميها بخواطر وجدانية. ولعل هذا الاعتراف يقربنا قليلا من فهم القصيدة. وأشعر ايضا أن هذا الاعتراف يساعدني أكثر علي تكملة فهمي الذي خرجت به عند قرائتي للقصيدة أول مرة . فأنا أري فيها حالة روحية رائعة معروفة في أدبيات الباراسيكولجي بحالة انسلاخ الروح عن الجسد . وهي حالة يمكن أن يمر بها أي إنسان تحت شروط وظروف معينة . أهمها خضوع الجسد لقسوة شديدة مثل حالات التعذيب كما في حالات القسوة المفرطة التي يعامل بها الأسري والسجناء قبل قتلهم ، أو عدم القدرة علي التكيف مع الظروف القاسية مثل معيشة الجنود في خنادقهم وسط الأوحال والثلوج ، أو عدم النوم لمدة طويلة . وأيضا هناك حالة شائعة وقد تم رصد الكثير من حالات انسلاخ الروح عن الجسد فيها . وهي حالة خضوع الإنسان لعملية جراحية وإعطائه مخدر كلي . فالكثير من المرضي قد مروا بتلك التجربة التي تنفصل فيها الروح عن الجسد، وتروح بمراقبة ما يحدث له . أو أنها تحلق في أجواء الأماكن البعيدة لتقابل الكثير من المواقف الغريبة والأكثر من المعارف والغرباء. من المهم أن نفرق بين حالة ( الهلاوس ) التي تصيب الإنسان عند تعرضه لمثل تلك المواقف القاسية أو بعد تعاطيه لجرعات مخدرة وحالة انفصال الروح عن الجسد مع استمرار اتصالها به .

تيهٌ بيْنَ بيْنْ
و أسألُ كيفَ و أينْ؟
أكانتْ دربي طويلة
أم مرّة أخرى
خانني العطشُ
و سرابٌ كانت "العينْ"؟
بصمتٍ
اقتلعتُ نفسي
و حيث كنتُ
عُدتُ
و بصمتٍ
أطفأتُ عطشي
من أسودِ العَيْنَينْ

البداية تبوح بما ستقدم عليه تلك الروح الهائمة والتائهة في دروب طويلة ولا يحيط بها غير أسئلة دون أجوبة مع أنها لا تزال موصولة بجسدها بشيء أقرب في الشبه للحبل الصري الذي يوصل الجنين بأمه . أسئلة تؤرق وتبعث علي الحيرة والتي تبدأ بكيف ؟ وأين ؟ وليس هناك من إجابات – في الغالب – سوي مزيد من التيه والذي قد يفرضه خداع البصر بما تصوره العين من خيالات وسراب ، يزيد من مرارة وقسوة الظمأ ويزيد – بالتأكيد - من الإحساس بالتيه وما يعنيه من ضياع وتشتت حتى إن الرغبة في العودة تجئ ( بصمت ) ( وباقتلاع النفس ) . ربما تقصد اقتلاع الروح عن الجسد . وياله من محظوظ ذلك أسود العينين الذي يبدو أن روحها تعود ثانية لتطفأ ظمأ الجسد منه .

تلكَ الطفلةُ التي كنتُ
أتتني يوماً
وجهاً غريبا
ًلم تقل شيئا
ًمشينا
وكلتانا ترمُقُ الأخرى
بصمتٍ
خُطانا
نهران متباعدا الضفاف
ِكنّا قد عُدنا
من ذاك الزمن المُسيّجِ بالحدودو
هنا تجمعنا غابة مسيّجة بالأحلام
ِترويها ذكريات عابرة
في سماء الوجود
حين تحلق الروح وتنطلق فلن يكون صعبا عليها أن تقابل من تحب . هل تتخيل معي الشاعرة وهي تمشي مع نفسها وهي طفلة .!!! الصورة جميلة وتوحي بالكثير من الدهشة والتساؤلات . جائتها الطفلة التي كانت هي يوما ما ، كانت غريبة عليها ولم تقل شيئا . اكتفيا بالمشي وكل منهما تنظر للأخرى . ولعل مايذكره الاثنان أنهما عادا من عالم محكوم بحدود وقواعد صارمة ، لينسجا غابة الأحلام الضائعة والتي تشكل الذكريات معظم معالمها.

لماذا بالذات كانت المقابلة مع ( الطفلة التي كنت ) ؟!! إذا لم تكن من إجابة محددة ، فبعض الكلمات قد تكون مفتاحا للفهم. عدنا – الزمن المسيج بالحدود – غابة الأحلام – ذكريات عابرة – سماء الوجود. ربما كانت هي محاولة لفهم أسباب ضياع الحلم معها وأيضا مع ( الطفلة التي كنت ).!! حتى أنها تطمئنها فكل ماتريده هو الفهم : ماذا يجمعنا يا صغيرتي بعد أن ضاع الحلم والخيال ؟!!

أيّتها الطفلةُ التي كنتُ ..
اقتربي ..
لا تجزعي ..
فقط أسألكِ :
ما الذي يجمعنا الآن؟؟

ليس هناك في مثل تلك المواقف من إجابات شافية ومقنعة وتتيح القدر الذي يكفيها من الفهم . مالذي يجمعنا ؟!! ( فقاعات هو الزمن )، (والعمر دم يتخثر)، (والأيام قبور للروح والجسد) . وليس عليها سوي ترقب الفضاء لعلها تشهد انشقاق تلك الفقاعات . طلاسم ولوحة سريالية جميلة لكنها تعطينا قدر من الفهم والإدراك بمعاناة تلك الروح الشاردة .

هو ذا الزمن فقاعات
و العمر
ُدمٌ يتخثر
و الأيام قبور
ففي أيّ فضاء ستنشقّ الفقاعات؟

ربما كان عدم النوم نوعا من العلاج ونوع من الجهد المضني للفهم . وكما أسلفت فعدم النوم يصل بالروح لحالة من الانفصال الروحي . أو هل تتخيل معي أن عدم النوم يمكن أن يكون مفيدا للبحث عن ( الدروب ) أو ( معرفة ما يطويه الظلام ) . حتى لو غامرت بعد كل معاناة عدم النوم بدخول الزحام !!! إنها لحظات نادرة معاشة لروح هائمة ، استطاعت الشاعرة أن تكون شاهدة علي روحها في تسجيل لحظاتها .

حسناً
لن أنام
سأحاول تقرّي دروبي
و معرفة ما يطويه الظلام
سوف أدخل هذا الزحام

- يتبع –
.

الأربعاء، يوليو ١٨، ٢٠٠٧

6 - قراءة الشعر. قصيدة أصداء في ملكوت الصمت للشاعرة شهرزاد

ما رأيكم أن نقرأ قصيدة " أصداءٌ في مَلَكوتِ الصّمتْ " والتي كتبتها الشاعرة الرقيقة عودة أو ليا أو كما أحب أن أسميها شهرزاد . لا أدري لماذا توقفت طويلا أمام تلك القصيدة بالذات. اعتقد أن لدي أسبابي ولأكن أكثر دقة، لعل هناك أسباب شعرت بها تخص الشاعرة قبل غيرها. أتابع قصائد شهر زاد واستمتع بقراءتها حتى إنني قرأت قصيدتها الرائعة " حماقات امرأة من ثلج ونار " عدة مرات. استمتعت بها كل مرة كنت أقرأها، واستمتعت أيضا وأنا أكتب عنها محاولا فهمها وتحليل مشاعر شاعرة عاشقة. أختار ثانية قصيدة تبدو صعبة للغاية وتحتاج لقراءتها كثير من الصبر والفهم . لعل محاولتي تحوذ رضا القارئ ...

أصداءٌ في مَلَكوتِ الصّمتْ


تيهٌ بيْنَ بيْنْ
و أسألُ كيفَ و أينْ؟

أكانتْ دربي طويلة

أم مرّة أخرى

خانني العطشُ
و سرابٌ كانت "العينْ"؟


بصمتٍ

اقتلعتُ نفسي
و حيث كنتُ

عُدتُ

و بصمتٍ

أطفأتُ عطشي
من أسودِ العَيْنَينْ



تلكَ الطفلةُ التي كنتُ

أتتني يوماً

وجهاً غريباً
لم تقل شيئاً

مشينا

و كلتانا ترمُقُ الأخرى

بصمتٍ
خُطانا

نهران متباعدا الضفافِ

كنّا قد عُدنا

من ذاك الزمن المُسيّجِ بالحدود

و هنا

تجمعنا غابة مسيّجة بالأحلامِ
ترويها ذكريات عابرة

في سماء الوجود


أيّتها الطفلةُ التي كنتُ
..
اقتربي ..
لا تجزعي ..
فقط أسألكِ :
ما الذي يجمعنا الآن؟؟


هو ذا الزمن فقاعات

و العمرُ

دمٌ يتخثر

و الأيام قبور

ففي أيّ فضاء ستنشقّ الفقاعات؟


حسناً

لن أنام
سأحاول تقرّي دروبي

و معرفة ما يطويه الظلام
سوف أدخل هذا الزحام


خطوة

خطوتان

ثلاث


فقاعة آولى
...
حطام
فقاعة ثانية
...
ركام
فقاعة ثالثة
...
أوهام

من سيكون شاهداً عليها

سوى الأموات؟

ها أنا في فقاعة الكلام

ورقة شاحبة صفراء

و أردّدُ بغباء
:
فقاعاتٌ
فقاعاتٌ

فقاعاتْ


فقرّرتُ إذاً

أن سأنام

لم يبقَ من الحلم

مايشيّع جنازة فجر
ليس يأتي

لماذا وُجِبَ على الأحلام

أن تتساقط كالمطر
قبل الأوان؟
أمِنَ العدل أن يستفيق الفجر

وعلى خدّه قطرةٌ
حمراء؟

تقتلنا الأحزان طعناً

بحقائق الزمن
بِيدَ أنّ الحلم يحتضر
عمراً تائباً
عن خطيئة الوجود!


لو ...
يتورّد وجه الأفق
لكان الأمل أخضر

لو
...
يتفتّح صدر الأرض
لكان المطر أغزر

خُطانا
...
ورقٌ يرتمي في حُفَر
ماذا لو يغمر الصمتُ

هذي الحُفَر؟
لو سألنا
:
كيف لا يغسل الماء هذا الثمر؟
أتُراهُ يجيب الشجر؟

ربّما
..
لو ..
إذا ..


قرأتُ كفّ الصمتِ و قلتُ :
هذا زمنٌ يتفتّح في رحم الأشلاء
كتبتُ
:
هذا زمنٌ نشهد فيه
كيف يُرَبّي الموتُ الأرض

و كيف يخون الماءُ الماء


تلك البراعم التي انتظرت الربيع

ماتت

و الشمس

ما زالت تسطع في قُمقمٍ أو تكيّة
على ركام أوجاعنا الأزلية


إنها لحظة الخرافة
إنها رعشة الوصول

إلى آخر المسافة


هذا الصمتُ / الموتُ

إنّه العريُ

يكشف عن جثث الكلمات

إنّه الكونُ

تذبلُ في أعماقه الزفرات
ضاعت في متاهاته

النارُ
و تلاشت في دروبه

الآثارُ


إنّه الصمتُ

يرنو إلى الناس
يعشقُ سكون الفضاء

و ذاك الغبار

شرارةٌ على الجبين
تقتحمُ خطوط الحنين

لـ ينشقّ الوجه عن نصفين

ألمٌ

و

أنين

أيّها الصمتُ

أنت ذاك العبور الذي يتقرّاه البشر

كي تولدَ في كلّ المعاني

دون أن يسمعك أحدٌ

دون أن يراك أحد