الأحد، مايو ٠٦، ٢٠٠٧

1- الرمح المقدس ...

.
قرأت هذه الحكاية منذ مدة طويلة بمجلة تعني بتراث الشعوب. وسأعتمد في نقلها إليكم علي الذاكرة وسأتصرف في أحداثها وفق مقتضيات الحال. أحداث القصة حقيقية وتدور أحداثها في أحد القرى الأفريقية البعيدة كل البعد عن المدنية، والتي يعتمد أفرادها علي الصيد والأعمال اليدوية ويعيشون في أكواخ متجاورة، يتوسطها كوخ مهيب للرمح المقدس الذي يألهونه ويتباركون به ويودعونه أسرارهم. وطبيعي أن كوخ الكاهن ملاصق للكوخ الذي يرقد به الرمح المقدس. والكاهن في تلك القرية هو الذي يعتني بالرمح ويقدم له القرابين ويدخل عليه ناقلا رغبات الرعايا وهمومهم وباقي الأعمال التي تمليه عليه وظيفته الروحية.

الأيام تمر، والقرية تعيش – دون منغصات - في عالمها الخاص، الذي هو في معظمه خليط من مغامراتهم مع الحيوانات الأكبر حجما والأشد فتكا، والتي قد ينجحون في اصطيادها أو تنجح هي في اصطيادهم. والجزء المتبقي هو جانب كبير من الخرافات والشعوذة ومعظمها يدور حول الأرواح الشريرة التي تتربص بهم وتريد أن توقع بهم الشر لولا وجود الرمح المقدس بينهم وبجواره الكاهن العجوز.

ذات يوم حضر احد المبشرين لتلك القرية، وهاله ما رأي واعتقد للوهلة الأولي أن مهمته ستكون سهلة للغاية مع أولئك البشر الذين يعبدون أحد فروع الأشجار، حتى لو جعلوه رمحاً وأطلقوا عليه ما يناسبهم من ألفاظ تجعله مقدسا. ابتدأ معهم بالحديث عن الشجرة التي قطعت أحد فروعها لتكون رمحا وعن وظائف الشجر وكيفية زراعته، وعن خالق الشجر وكافة المزروعات .

بعد شهور عديدة لاحظ المبشر أنه ليس هناك من تأثير يذكر لكلامه أو نصائحه ودروسه أو محاولاته المستمرة لتنوير عقولهم. وجن جنونه حين وجد أن الاحتفالات وتقديم القرابين للرمح في ازدياد، فما كان منه إلا تسلل في الظلام لداخل الكوخ الذي بداخله الرمح ومسكه ثم كسره لقطع عديدة والقي بها ثم انسل خارجا لكوخه وراح يراقب ما سيحدث بعد ذلك.

كان الصباح التالي عصيبا لكل أفراد القرية خاصة لكاهن الرمح المقدس الذي أصيب بإكتئاب وإسهال شديدين. كان المبشر ينظر إليهم سعيدا وهم يتجمعون في حلقة ضيقة حول الكاهن الحزين، الذي ظل جالسا في وضع القرفصاء رافضا أن ينطق بكلمة واحدة. وظل هذا الوضع حتى المساء وفجأة وجد الكاهن ينهض بخفة وهو يرقص سعيدا وحوله جموع غفيرة من الناس وهم يحملون القرابين ويشاركونه الرقص .

ما الذي حدث.؟! قال الكاهن لأتباعه وهو ينظر تجاه كوخ المبشر: حطم كافر، زنديق ماجن رمحنا المقدس إلي قطع كثيرة. أتعلمون ماذا حدث بعد تلك الجريمة النكراء.؟! أخذت تلك القطع تتجمع بجوار بعضها البعض وهي تطير عاليا في الجو، ثم هبطت علي صفحة الماء بالنهر، وسرعان ما التحمت الأجزاء بعضها ببعض ثانية بقوة وصلابة، لتأخذ الشكل المألوف للرمح المقدس، مهيباً رائعا، مقدساً كعادته ثم سرعان ماطار في السماء عائدا لمستقره بكوخه.
ووسط حماس الأتباع ورقصاتهم وصياحهم، دخل الكاهن للكوخ وعاد حاملا الرمح المقدس، وأخذ يبارك به جموع الحاضرين واحدا بعد الآخر، ثم أعاده ثانية لمكانه الدافئ مع تشديد الحراسة - بطبيعة الحال - حول الكوخ.

علم المبشر أن تلك الحكاية ستشكل خرافة مضافة لوجدان أهل القرية، وسيصعب عليه هو أو غيره أن يناقشوهم فيها، أو فيما يمس معتقدهم وتأليههم لرمحهم المقدس حتى لو كان فرع شجرة. فحزم المسكين حاجياته وفضل الرحيل بعيدا عنهم.

القصة بسيطة. وبالرغم من ذلك فهي لا تخلو من إثارة وعمق في المعني، وهي تحمل في مضمونها العديد من الأمور التي سأحاول مناقشتها وحسب تداعيات المعاني.
.

ليست هناك تعليقات: