الأربعاء، مايو ١٢، ٢٠١٠

7 - أيام طويلة ..

..
استيقظت علي رائحة كريهة للغاية تملأ الغرفة، شعرت بالغثيان ورغبة قوية أن أترك الغرفة وأفر بعيداً عن تلك الرائحة المقززة. حانت مني إلتفاتة لسرير جاري، تسمرت عيناى علي جسده العاري، كدت أصعق لرؤية هذا الجسد، فهو عبارة عن هيكل جلدي منتفخ للغاية لا يتناسب مع حجم الرأس الصغير، والعينان الجاحظتان في فزع. كان هناك ممرض شاب ينظفه بعدما "تغوط علي نفسه". كان الممرض يعمل بهمة وهو يلقي باللوم بصوت عال علي المريض المفزوع. "يا عم عبدالله قلنا لك ألف مره اضغط الجرس حين ترغب في التغوط، سنأتي لمساعدتك قبل أن تبهدل السرير وما عليه وترهقنا لتنظيفك". لم يرد عم عبدالله بكلمة واحدة واكتفي بالتحديق في وفي جدران وسقف الغرفة وعلامات الفزع والخوف ترتسمان علي وجهه الضامر. رائحة كريهة وممرض يصرخ من الشعور بالتقزز وهو ينظف جسداً منتفخاً لمريض عاجز عن الكلام ولا يملك سوي الخوف والفزع. وجدت نفسي أقاوم رغبتي الصبيانية بترك الغرفة وحدثت نفسي بأنني سأشارك عم عبدالله هذا المكان واعتبرت أن هذا القرار هو نوع من الامتحان لنفسي. سألت نفسي " هل سأنجح في هذا الامتحان.؟!! نظرت إلي الوجه الضامر والعينان الجاحظتان ورسمت علي وجهي ابتسامة تشجيع وتعاطف، وطلبت من الممرض أن يقترب من سريري لأحدثه. بعدما ينتهي من عمله، أخذ يرش الغرفة مستخدماً زجاجة معطر للتغلب علي الرائحة الكريهة التي لصقت بكل زوايا وأرجاء الغرفة. كوم ملابس عم عبدالله القذرة وغيرها بملابس أخري نظيفة وأخذ يلبسه إياها بهمة ونشاط ونحن نتبادل الحديث.
قلت له أنني معجب للغاية بنشاطه وطريقته في تمريض عم عبدالله، وقبلها معي – رغم أنني كنت نائماً – إلا أنني وجدته قد علق كيساً للتبول كما علق الأدوية والمحاليل حتى أنني شعرت براحة شديدة لتأثير المسكن القوي والأهم هو قدرتي علي التبول دون ذهاب للحمام. كنت أناديه باسمه الذي استطعت قراءته من "البادج" المعلق فوق صدره، "يا أشرف أنت تدمر هذا المجهود الرائع الذي تبذله وأنت تصرخ في تلك الجثة الممدة أمامك دون قدرة علي الحركة أو الرد". كان ينصت إلي باهتمام وأدب وعقب بكلمات قليلة لكنه اعترف بالتقصير في تلك الناحية. يبدو العمل شاقاً "علي النفس" خاصة في مثل تلك المواقف. وافقته وأعطيته الحق وقلت له لعل أحد الأسباب أنك لازلت شاباً ولم تر الكثير بعد من المرضي وحالة الضعف والهوان والاستسلام المهين للمرض. الموضوع يحتاج لكثير من التدريب والممارسة وقبل كل ذلك الفهم والشعور الطيب تجاه تلك الكائنات الضعيفة والتي كانت يوماً ما تتباهي بقوتها وتدعي أنها كانت رجالاً لايشق لهم غبار أو نساءً يمتلئن بالحيوية، أنظر لعم عبدالله كيف يبدو؟!! وانظر إلي، وضعفي الذي لايمكنني من النهوض من فوق السرير. أنتهي حديثي مع أشرف بكلمات ضاحكة منه لعم عبدالله، الذي ابتسم وهو ينظر تجاهي متخلياً عن علامات الخوف والفزع. اكتشفت أن "عم عبدالله" لا يستطيع الكلام ولكنه يجيد الاستماع والفهم.
كان هناك العديد من زجاجات المحاليل معلقة بأعلا سريري، تتدلي منهما أنابيب شفافة ورفيعة تصل "يكانيولا" مغروزة بزراعي وبها العديد من الفتحات. من الواضح أنهم في مستشفي " عين شمس التخصصي" يتمتعون بحرفية عالية في تأدية أعمالهم والمتمثلة في جودة التشخيص والتمريض والأهم هو وجود نظام محكم للتعامل مع المريض ومتابعة حالته دون أن تشعر من هو الطبيب الذي يشرف علي كل ذلك.
لا بد أن الفجر يوشك علي البزوغ، فخيوط الضوء تتسلل علي حياء من خلال "شيش بلكونة الغرفة"، ومع بزوغ ضوء فجر يوم جديد أزددت تفاؤلاً، وشعور بآمال جميلة تراودني في الشفاء وفي مزيد من الحب والفهم للناس، وعرق كثيف يغمر جسدي لأغرق في نوم هادئ وممتع بعد ساعات طويلة ومرة من العناء والضعف والألم
..

هناك تعليق واحد:

ابحث يقول...

Thank you so much for this beautiful Article