الأربعاء، مايو ١٩، ٢٠١٠

8 - أيام طويلة ..

..
نمت عدة ساعات، استيقظت بعدها وحالة من الإدراك والانتباه تأتي للحظات قليلة تكون كافية لأسأل وافهم. علمت أن التشخيص المبدئي لحالتي والذي حددته طبيبة الاستقبال الشابة هو "التهاب بالغشاء البلوري" . وقد وضعوني بقسم خاص للتأكد من صحة التشخيص أو غيره مع علاجي بالأدوية اللازمة.والحقيقة أنها طفرة كبيرة بهذا المستشفي الضخم أن يكون هناك قسماً "للأبحاث" للتأكد من تشخيص أطباء الاستقبال أو لتحديد التشخيص المضبوط للحالة ووصف العقاقير التي تناسب كل حالة ثم نقلها للقسم الذي يختص بعلاجها. فهمت أيضاً أن الأمر يستدعي بقائي عدة أيام ثم نقلي لقسم الصدر فنتائج الأشعات والتحاليل تفيد بصحة التشخيص وأن هناك التهاب كبير بالغشاء البلوري، وهناك أيضاً الالتهاب بالفص الأيمن للرئة، وأنهم يبذلون قصارى جهدهم في تشخيص مرضي بشكل موثوق به. سألت بطبيعة الحال عن أسماء المضادات الحيوية التي أعالج بها. علمت أنهما نوعان من المضادات القوية للغاية والتي تعطي في شكل محاليل، بالإضافة لمحلول آخر كمسكن قوي للألم، وكان علي ألا أستعجل الشفاء ، فمثل هذا المرض يأخذ وقتاً طويلاً للعلاج ، وهو يحتاج لصبر المريض وتحمله، لكن سيكون بالمقدور – في النهاية - القضاء علي الميكروب المسبب له. تلك كانت نصيحة هامة رغم أني أعد مريضاً نموذجياً في الصبر وطاعة الأطباء وعدم الاعتراض علي أي شي. كل ما طلبته منهم أن يلاحقوا هذا الألم، ويريحوني منه ، وأن يزيدوني فهماً وتنويراً عن هذا الميكروب. من أين جاء ولماذا اختار صدري تحديداً. وبالنتيجة فلن أغادر هذا القسم لقسم الصدر قبل ثلاثة أو أربعة أيام. وهذا يعني أنني سأقضي تلك الأيام في متابعة النوم وحين استيقظ أكون بصحبة عم عبدالله. لم أستطع – طيلة تلك المدة - تناول أي نوع من الطعام أو الشراب وأصبح مجرد الحديث عن كل ذلك يصيبني بنوع من "القرف" ، كما وأن رائحة أي طعام وأيضاً رائحة الشاي والقهوة والسجائر يسبب لي غثياناً ورغبة في التقيؤ، وما يجره من إجهاد نتيجة لأن معدتي كانت فارغة إلا من المياه، وهي السائل الوحيد الذي كنت أتذوقه واعتبرته بديلاً عن الغذاء. قلت ذلك لزوجتي التي حضرت لزيارتي هي وشقيقتي ومعهما "شوربة" دجاج وبها نصف دجاجة. وأعقبت كلامي بتهديد بليغ لهما بأن أي طعام سيأتيان به لن أقدر علي النظر إليه أو اليهما وسأفضل تركهما لأنام. وسأفعل كما كان "عم أنس" يعمل حين يأتيه زائر لا يرغب في لقاءه، كان ينظر إليه قائلاً وهو يتثاءب: حين أصاب بزائر "دمه ثقيل" مثلك فسأمدد جسدي فوق السرير وأسحب الغطاء فوقه، وسرعان ما أستسلم للنوم حتى أن شخيري يستطيع أن يسمعه كل عابر للشارع المقابل للدار. وكان ينفذ بالفعل كل كلمة يقولها حتى لا يتبقى شيء سوي شخيره وحرج الزائر في البقاء لعدم إزعاج عم أنس النائم. وغرقت أنا الاَخر بالفعل في النوم وأنا أتحدث اليهما، وكان ذلك دليلاً علي جدية تهديدي. ومع ذلك فقد أصرت زوجتي خلال الزيارتان التي تليا تلك الزيارة علي إحضار نفس "الشوربة" ونصف الدجاجة حتى أصابها اليأس فأصبحت تزوني بعد ذلك بدون أن تحضر معها أي طعام.
ومع زيادة ساعات نومي اختلط الليل بالنهار. كنت أشعر براحة حين أنام دون أدني مجهود، وحين أفيق للحظات قليلة لأخذ العلاج أو لأرفع زجاجة الماء لأشرب كنت أجد عم عبدالله مشغولاً بالأكل، وأسنانه القليلة ترتفع وتنخفض بسرعة وهو ينظر إلي شارداً. حاولت دفعه للحديث عدة مرات، وبصوت ضعيف كنت أسلم عليه وأسأله عن حاله. كان الرجل يحدق في باهتمام واضح ويستمع إلي صامتاً وهو يواصل المضغ دون أن يرد علي بكلمة واحدة.
..

ليست هناك تعليقات: