الأحد، مايو ١٠، ٢٠٠٩

ويسألونك عن الميد والرواسي .. " إلي روح أخي وصديقي العزيز الدكتور سمير حمزة الأستاذ بكلية العلوم - جامعة القاهرة"

.
تقول الآية الكريمة :
وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ / وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. [النحل : 15]
...
تمهيد ..
1 - المعني اللغوي لبعض الكلمات الواردة بالآية ..
والرَواسي من الجبال: الثوابت الرواسخ. (الصحاح)
وفي ( لسان العرب ):
والجبال الرَّوَاسِي والرَّاسِياتُ: هي الثَّوابِتُ
ورَسَتِ السَّفينةُ تَرْسُو رُسُوّاً: بَلَغَ أَسفلُها القَعْرَ وانتهى إلى قرارِ الماءِ فَثَبَتَت وبقيت لا تَسيَرْ.
ومادَ الشيءُ يَمِيدُ مَيْداً: تحرّك ومال.
ومادَ يَمِيدُ إِذا تَثَنَّى وتَبَخْتَرَ.
ومادت الأَغْصانُ: تمايلت.
.2 – ثوابت علمية .
للأرض ثلاث حركات، فهي تدور حول محورها بشكل مغزلي بسرعةٍ تصل إلى 465م/ث عندَ خطِّ الاستواء أو ما يعادل 1674 كم/ساعة. كذلك تتحرك الأرض فى مدار بيضاويٍّ مُحَدَّدٍ لها حول الشَّمس بسرعةٍ تبلغ 29.77كم/ث أو ما يعادل 107172 كم/ساعة. وتدور الأرض مع الشَّمس وبقيَّة المجموعة الشَّمسيَّة حولَ مركز مجرَّتنا (سكة التبَّانة أو درب التبَّانة أو الطريق اللبنيّ) بسرعةٍ تتراوح بين 206 كم/ثانية أو ما يعادل 741.600كم/ساعة في مدارٍ لولبيٍّ لتتمَّ دورتها تلك في مدةٍ تُقَدَّر بحواليْ 250 مليون سنة.
وما يعنينا في الحديث من تلك الحركات هو الحركة الدورانية للأرض والتي سنركز الحديث عنها وعن تأثيرها في اتزان الأرض.
تتفق جميع الآيات القرآنية التي تتحدث عن الجبال بأن لها وظيفة محددة للأرض وهي منع الميد. وسواء تحدثت الآيات عن الجبال كأوتاد أو رواسي للأرض فتظل وظيفتها هي استقرار الأرض بمنع ميدها. أي أن الجبال هي مثبتات لغرض استقرار الأرض ومن عليها. كيف يكون ذلك؟
سأحاول تقريب المسألة للأذهان ببعض التطبيقات العملية الملموسة في حياتنا اليومية . دعونا نتفق أولاً أن أي جسم يتحرك بسرعة دائرية يكون له مركز ثقل في موضع ما من الجسم . ومركز الثقل يعتمد علي تجانس المادة المصنوع منها هذا الجسم وليس بالضرورة أن يكون بالمركز. ونتيجة للحركة الدائرية لهذا الجسم فلابد أن يكون له أيضا مركز دوران يدور حوله الجسم .للحالة المثالية يجب أن يتطابق مركز الثقل بمركز الدوران لكن هذا لا يحدث مما يخلق نوعا من عدم انتظام الحركة الدورانية وتوليد قوي واهتزازات غير مرغوب بهما.
أمثلة كثيرة تستطيع أن تدلل بها علي ذلك. مثل ضبط اتزان ( إطارات ) أو دواليب السيارة، بإضافة أثقال ( محسوب وزنها ) توضع في أماكن معينة في محيط الدولاب، لضمان دوران الإطارات أو الدواليب بشكل هادئ ومتزن .وأيضاً لو تفحصت ريشة من ريش المروحة السقفية، أو حتى المراوح الاستاند لوجدت أيضا أثقالا صغيرة موضوعة لنفس الغرض.
هذا يدعونا للقول أنه لا بد من عملية اتزان لأي جسم يدور، وذلك بوضع أوزان محسوبة بدقة لتصحح من الإنحراف الناشئ للمركزين ( الثقل والدوران ). وقد تبدو المشكلة أسهل للأجسام الكروية أو المنتظمة. لكن ماذا عن الأجسام غير الكروية أو المفلطحة .؟! مثل الأرض التي تدور حول نفسها بسرعات عالية للغاية وفي نفس الوقت تدور حول الشمس ..
هل وصلت الفكرة ؟!!!
سأعطي مثالا عمليا آخر نمر به جميعنا. ألم تركب مرة سيارة وشعرت ( برفة كما نسميها بمصر وتخبيط ) في أحد الإطارات. ما السبب ؟ السبب هو عدم اتزان ذلك الإطار لفقدان الأوزان اللازمة لإتزانها، أو لأن تلك الأوزان غير كافية، أو لأنها غير محسوبة بدقة. المهم أننا نشعر جميعا بالإهتزازات في تلك الحالة. ولا أقصد بالإطار في كل الأمثلة التي أتحدث عنها الإطار الخارجي فقط. بل المقصود هو الإطار والجنط الحديدي الذي يلتف حوله الإطار. وما يمنعنا من الشعور بتلك (الرفه أو التخبيط أو الاضطراب الناتج عن تلك الاهتزازات غير المرغوب فيها) هو الإتزان المتقن للعجلات نتيجة أوزان الإتزان المحسوبة بدقة والمثبتة بالمحيط الخارجي بها.
والاضطراب الحادث نتيجة لعدم الإتزان هو الميد المقصود الذي يمكن أن بحدث للأرض، والذي يستلزم لتصحيحيه نوع من المثبتات أو الرواسي (الجبال). وتلك الرواسي تعادل بالتأثير وبالفائدة أثقال الاتزان التي أعطيتها للأمثلة البسيطة السابقة.
ويمكن تشبيه الأرض بتلك السيارة، ما الذي سيحدث لو انعدم اتزانها وهي تدور حول نفسها؟! (ستميد بنا) وسنشعر بذلك بكل تأكيد. السرعات المنتظمة للأرض سواء حول نفسها أو حول الشمس هو السبب الرئيسي لعدم الشعور بالحركة. وهذا أمر مختلف عما نناقشه. الأساس العلمي لإتزان الأجسام التي تتحرك بسرعات دائرية معروف. وقد حاولت أن أقربه وأبسطه. حاول أن تكيف الكلمات الواردة بالآية مع هذا الأساس العلمي. لن تجد هناك تعارضا.
وقد يكون هناك علاقة بالبراكين والزلازل بالوظيفة الأساسية للجبال وفق ما أفهمه وما تحدثت عنه بأمثلة عملية. مع أنها تمثل ظواهر طبيعية لها تفسيرات أخري عديدة. وأقرب النظريات لفهمها هي التي تتحدث عن انزلاق الكتل أو الصفائح المشكلة لبنيان الكرة الأرضية، وتحدث تلك الإنزلاقات لأسباب كثيرة. قد يكون واحداً منها ميد الأرض (اضطراب الحركة ) بسبب إضافة كتل للجبال أو حذف البعض منها. مما يؤثر حتماً علي الاتزان النهائي للأرض. ولتبسيط المعني أقول أن الأرض تعاود ضبط اتزانها - ثانية - بنوع من الحركة الداخلية والتي تظهر علي شكل زلازل.
دعني أبسط الأمور بشكل أبسط من المرات السابقة : يجب أن تفرق بين الشعور بالميد نتيجة لعدم الإتزان (الرفه في حالة المركبة ذات الدولاب غير المتزن ) مع ثبات السرعة الخطية. هنا الميد أو الرفه أو الإهتزازات يتولد بسبب عدم الاتزان وليس بسبب السرعات الخطية المنتظمة والناتجة عن سرعات دوران منتظمة أيضا .السرعات المنتظمة لا تجعلك تشعر بتأثير الحركة. والمثال الأقرب للفهم لو أنك بعربة قطار مغلقه يتحرك بسرعة منتظمة فلن تشعر انك تحركت مترا واحداً. هذا موضوع لا علاقة له بما يمكن أن يحدث لو أن عجلات القطار بدأت تدور بغير اتزان لتولد لنا ( رفه - اهتزاز – اضطراب - ميد ) مع ثبات السرعة الخطية المنتظمة التي تولدها عملية الدوران بسرعات منتظمة، أو مع انتظام سرعة القطار الخطية .
سأحاول – ثالثة - أن أجعلك تتعرف علي الميد: اذهب إلي أقرب ورشة لضبط اتزان دواليب السيارات. وشاهد أحد الدواليب قبل ضبطها وهي مثبتة فوق جهاز ضبط الإتزان وتدور بسرعة منتظمة. كيف ستري الدولاب؟. ستراه يدور بغير انتظام مسبباً نوعا من الضوضاء والاهتزازات وكأنه يريد أن يقفز من مكانه. ثم شاهده مرة أخري وهو يدور بنفس السرعة المنتظمة التي يولدها الجهاز بعد إضافة أثقال الموازنة. كيف ستراه هذه المرة ؟ ستراه يدور بنعومة وانتظام دون أن ينشأ أي اضطراب أو ضوضاء نتيجة لذلك الدوران . أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت هذه المرة .
وربما يلزم الأمر قليل من التوضيح. دوران أي جسم وبأي سرعة دوران يؤدي إلي اهتزازات غير مرغوب فيها أثناء الدوران. بمعني أن تلك الاهتزازات تنتج عن الحركة الدورانية للجسم. وأعطيت تفسيرا علميا سليما لذلك وهو عدم تطابق مركزي الثقل والدوران ينتج عنه تلك الظاهرة. كما أعطيت أمثلة عملية ملموسة من واقع الحياة مثل إطارات السيارة - ريش المروحة ....... الخ. توضح علاقة الإهتزازت بالحركة الدورانية.
وكقاعدة عامة فإن أي جسم يدور يلزم اتزانه. وقلت أن الموضوع يبدو سهلا للأشكال المنتظمة (الدائرية والكروية ..... الخ ) فما بالك ونحن نتحدث عن إتزان محكم لشكل كروي مفلطح وأعني الأرض .
ونستطيع علميا أن نتعامل مع الكرة الأرضية كما نتعامل مع أي جسم مادي محدود ونطبق عليها ما نعلمه من قوانين رياضية وفيزيائية بما في ذلك قوانين الحركة. ويمكن – نظرياً وباستخدام بعض القوانين الرياضية البسيطة أن نعزل جزءً من كتلة الجبال ثم نري تأثير ذلك علي اتزان الأرض. ونوالي عملية العزل أو الاستبعاد النظري لكتل أخري من الجبال ونري. وقد يكون علماء الفلك والفيزياء قد تعرضوا لتلك الدراسة .
وبالقياس وكنتيجة لفهمي المتواضع لأساسيات قوانين الحركة للأجسام، أعلم يقينا أن استبعاد كتل من الجبال يعني تحرك مركز ثقل الأرض لنقطة أخري وكلما استبعدت كتلة أخري كلما تحرك مركز الثقل لمكان آخر، مما يعني المزيد من الاهتزازات والاضطراب للأرض بأكملها وسنشعر بالتأكيد بكل ذلك. وكل ذلك تحدثت عنه الآية الكريمة وأعطت مرادفاً من كلمة واحدة يحمل نفس المعني والشعور وأعني كلمة الميد .
وكمثال تطبيقي لذلك أرجوك أن تعود لورشة ضبط إطارات السيارات واطلب من الفني هناك أن يضع دولاباً متزنا فوق الجهاز ثم يجعله يدور. أطلب منه أن يبدأ بنزع بعض أوزان الإتزان أو القطع الرصاصية الصغيرة المثبتة علي محيط الدولاب، وراقب ما سيحدث. سيبدأ الاهتزاز في الظهور وكلما استبعدت المزيد كلما زادت تلك الاهتزازات. الأرض كجسم يدور ورغم ضخامة كتلتها تنطبق عليها نفس الملحوظة .
ما عندي قلته وهو ما ينعكس علي اقتناعي بصحة ما جاء بالآية علميا. غير أن الواجب يقتضي أن أقول قد أكون مخطئا. وقد تكون هناك فوائد أخري مضافة للجبال أو الرواسي. والمؤكد أن هناك كثير من الفوائد الأخرى لها. غير أن ما يشغلني حقيقة بالتفكير هو دورها في حفظ اتزان دوران الأرض. ويتبقى أن أشير إلي أن حركة الجبال وعلاقة تلك الحركة بالإنزلاقات الحادثة للصفائح المشكلة لبنية الأرض تستدعي التفكير مرة أخري في علاقة كل ذلك بحفظ الإتزان. وبمعني أكثر تحديداً هل ما يتم من حركات للجبال تصاحب حركة الصفائح هو نوع من إعادة التصحيح لمركز ثقل الأرض ومركز الدوران - كلما تغير هذان المركزان لسبب أو لآخر - بحيث تعاود الأرض اتزانها ثانية.
.
وعلي كل فهذا مجرد اجتهاد شخصي مني. والحقيقة أنني أدين لظهور هذا المقال للمتحاورين معي بهذا الموضوع، ولمعني الكلمات الواردة بالآية التي نناقشها (الميد والرواسي) وبطبيعة الحال المعني الكلي للآية. وما حدث كان عملية ربط بين معاني الكلمات وقوانين الحركة للأجسام. ومع ذلك فسيظل الأمل أن يكون فهمي سليما ومسعاي في إثباته صحيحا لتسليمي بأنه من الممكن أن يكون هناك من هو أرقي في الفهم وفي المسعى.

عادل محمود
القاهرة. 24/9/2007
...

ليست هناك تعليقات: