السبت، مارس ٢٨، ٢٠٠٩

2- الحرية والمرأة ...

أهتم للغاية برأي القارئ وتعليقه علي ما أكتب. وعدا بعض التعليقات التي ضمرت نوايا مسبقة فقد جاء العديد من القراء بمشاركات رائعة أضافت لي الكثير من فهم الموضوع. واعتقد أنه قد يكون في هذا التذييل بعض الفائدة للرد بشكل موسع علي كافة المداخلات التي تفضل أصحابها بكتابتها لموضوعي الحرية والمرأة. عدا تلك التعليقات التي أشرت اليها بانها تضمر نوايا مبيتة وأحكاما مسبقة فسأقوم بالرد عليهم بشكل منفصل.

بالفعل، في موضوعي عن حرية المرأة، يمكن رصد عدم اهتمام الثقافة المتخلفة السائدة الآن بأكثر من الشكل الخارجي لجسد المرأة. فهو الذي يجلب الفسق والعصيان من وجهة نظرهم. حتى أن الكثير منهم يقفزون لما هو أبعد من ذلك بدعوتهم بلا كلل لما هو أزيد من الحجاب. فهم يدعون للنقاب ودون سند أو مبرر شرعي. وكيف أن النقاب يحمي (الرجال) من الغواية، قبل أن يحمي النساء بطبيعة الحال.
فالمرأة عندهم وبكل أجزاء جسدها الذي كرمها به الله، مصدرا لغواية الرجل وإلهائه عن أمور دينه وإبعاده عن العبادة.!!! وكأن حق العبادة خاص بالرجل فقط. وكأنه - أي الرجل - لا يشكل عامل إغواء وإثارة للمرأة أيضا، ذلك إذا سلموا بأن حق العبادة مكفول للمرأة أيضاً. هل هذا يستدعي أن تطالب المرأة بأن يكون الرجل محجباً أو منقباً درءً للمعصية، وتحسباً من الوقوع في الرزيلة.
.
والغريب أنك تجد منهم من يقول أن الحجاب والنقاب هو لحماية المرأة قبل الرجل.!! حمايتها من ماذا؟ يقولون من الاعتداء عليها جنسياًً. في السعودية يحرم علي الرجل العمل كسائق خاص لسيارة أية امرأة ولا يجدون حرجاً أن يكون هذا السائق أجيراً أجنبياً. والتناقض هنا واضح فكأن هذا الأجير ليس برجل، له أيضاً شهواته، وكأن الأنثي التي تجلس خلفه تراه شيئا مخالفا لجنس الرجال.!! وقد يكون حل تلك المشكلة في غاية البساطة إذا أعطوا المرأة الحق في قيادة سيارتها بنفسها. وحتى الآن فذلك غير جائز شرعاً.!!
..
ويبدو أن هذا التفكير له جذوره القديمة والمتأصلة بفعل المعيشة في الصحراء. وما يعني ذلك من جدب الحياة وفقرها، والقتال من أجل حق الرعي، وما يتبع ذلك من سبي للنساء، وما يعنيه من عار مضاف للهزيمة يلحق بالعشيرة أو القبيلة المهزومة. ومع تغير الحال، ودخول الإسلام بتعاليمه السمحة. لم يستطع أولئك البدو تجاوز أو نسيان الجذور القديمة وكل ما ترسب بداخلهم من تربية صحراوية شرسة. وبدلاً من أن يهذب الإسلام نفوسهم ومشاعرهم، ويدفع - خاصة - الرجال منهم لاحترام جنس المرأة وليس التفكير بهذا الشكل المريض كلما صادف الفرد منهم أنثي تعبر الطريق.!! هل هذا منطقي وعادل.؟!!
.
ومع سجن جنس الأنثي بأكمله ووفق تلك المخاوف السقيمة، والتي شكلت مع الأسف ثقافة سائدة أوجز وصفها المرحوم الشيخ الغزالي حين قال عنها: أنها ثقافة المرحاض.!
كأنهم يعلمون حكمة الخلق أكثر من الله نفسه، فلسان حالهم يقول: حسناً، لقد خلقت لنا يارب هذا المخلوق الجميل.!! لتدفعنا تلك الأنثي بما أعطيتها من جمال ورقة لممارسة الرزيلة. وتجعلنا نبعد عن طريق عبادتك وطاعتك وحبك. فالحكمة تقتضي أن نسجن هذا المخلوق اتقاء لشره الذي يمكن أن يحدث لو تركناه ( حراً ) يسير ويعمل ويشارك ويعمر كما اقتضت مشيئتك.
.
لا أعتقد أن الله أعطاهم هذا الحق ولا الشرع يمكن أن يعطيهم هذا الحق، ولا التفكير السوي. لذا فهم يكرهون لحد التطير أية دعوة للتجديد أو الإصلاح، أو مجرد التفكير بطريقة تخالف مقاصدهم ونواياهم. كما يكرهون ويمقتون أية دعوة لحرية الوطن والعباد كافة.
.
وأنا هنا أتحدث عن حرية لا تفرق بين الرجل والمرأة، ولا بين الأسود والأبيض، وهي أيضاً لا تفرق بين الناس لدياناتهم ومعتقداتهم. الكل سواسية ومتساوون ومأمورون بالعمل والسعي والكد لتعمير الأرض والارتقاء بالأرواح والمشاعر، وهي أيضا حرية المواطنة وقبول الآخر.
وفي نفس الوقت فهم يفصلون حرية خاصة بهم، تناسب تفكيرهم السقيم. فيصادرون حرية وكيان وأنوثة المرأة. ويجاهدون في غباء للحجر علي الآخرين وعدم قبولهم والنفور منهم وضمر العداء لهم. لكنها وفي نفس الوقت هي حرية للحى وكم يتوجب أن يكون طولها، وحرية للسراويل وتكحيل أعين الرجال (وليس النساء)، وحرية أن يسود الحجاب والنقاب، وحرية تكفير من يخالفهم. وحرية الجهاد بالقتل وبالانتحار وترويع الآمنين. وجر البلاد والعباد لمنظومة متكاملة من التخلف والجهل والاقتتال بين مختلف الطوائف.
وهي حرية قتل كل حلم بالتقدم والتنوير والتطوير والتحديث. فكل ذلك في عرفهم هرطقات. فالأهم عندهم من كل ذلك هو إرضاء الله بتطويل اللحية، وكيف تربط عمامة المجاهد، وكيف يتوجب عليه النطق بالشهادة قبل أية عملية انتحارية. أو شكر الله إذا نجح في تفجير بعض القنابل عن بعد لقتل فقراء المسلمين. وهي أيضاً حرية الجهاد الأحمق ضد كل من لا ينتمي لهم بالعقيدة والفكر والفهم والأسلوب.
.
ثم !!!
لا شئ أكثر من تنظير ودفاع باطل لا يمس سوي المظهر أو الشكل الخارجي، ويسجنه ويزيفه لدرجة التشويه، والتبعية الذليلة لأفكارهم الحمقاء. هل من الممكن أن نتوهم أن هذا المسخ الذي يشوهونه كل يوم للرجل وليس للمرأة فقط هو خليفة الله في الأرض، الذي خلقه وكرمه وأسند إليهما مهاما لا تليق إلا بالإنسان.
كل الود والتقدير للجميع.
..
يمكن للقارئ الرجوع لأصل المقال المعنون: الحرية والمرأة (اضغط)
.....
عادل محمود
القاهرة. 8/3/2009
...

ليست هناك تعليقات: