الأحد، مارس ٢١، ٢٠١٠

4 - أيام طويلة ...

.
ذهبت مرة أخري لمقابلة جراح العظام. أخبرته بما حدث. كنت قد أخبرته سابقاً بأنني سأذهب لمقابلة جراح الأعصاب. والحقيقة أنني أسعي لأكبر قدر من الصدق والوضوح عند عرض حالتي لأي طبيب، فلا أخفي عليه "تشخيص" غيره لحالتي ولا نوع الأدوية التي أوصي بها، ولا قراره الذي توصل إليه. بطبيعة الحال أذكر كل ذلك للطبيب بعدما أترك له الفرصة الكافية لأن يفحص بطريقته ويدرس التحاليل والأشعات التي معي بالشكل الذي يريحه، وبعدما يقرر أيضاً ويصرح برأيه. ربما كان سبب ذلك هو أنني أؤمن بضرورة تبادل المعلومات وتوفيرها بشكل بسيط ودون تعقيدات. واعتقد أن استخدامي لتلك الطريقة – في معظم أموري – سهل لي كثيراً الوصول لحلول سليمة ومهما كانت نوع المشكلة. الأمر الآخر أنني لم أجد خلافاً كبيراً بينهما. فهو أيضاً وصف لي عدة أنواع من الأدوية. كان أهمها حقن "مركبات كالسيوم" وهي حقن مرتفعة السعر وتعمل كما ذكر لي كمسكن للألم. الفارق بينهما أنه ترك لي القرار في إجراء الجراحة وبالشكل الذي وضحته. بينما رفض الآخر مجرد مناقشة فكرة الجراحة.
قال لي بتواضع لا ألمسه كثيراً في معظم الأطباء "لقد ذهبت لواحد من الأطباء يعد أستاذاً لنا، وقراره يجب أن يكون موضع فهم وبحث". ثم أضاف " قلت لك. أننا نقسم المرضي في مثل حالتك لثلاثة مجموعات، وأجزم أنه أعتبرك ضمن المجموعة التي يمكن أن تتعايش مع الألم وتستجيب للعلاج". ثم أضاف "كل مايمكنني نصحك به الآن هو أن تستخدم ما وصفه لك من أدوية، وأيضاً تستخدم نفس الأدوية التي وصفتها لك. وهناك تشابه في الثلاثة أنواع فلا بأس أن تتناول تلك الثلاثة أنواع، ولا تنسي أن واحد منهم مجرد فيتامينات ب". كنت أستمع له بهدوء وتركيز شديدين وتركته يكمل "حاول مع الأدوية الموصوفة لك، علي أن تكررها مرة أخري. ثم لنري ماذا ستكون النتيجة".بالفعل واظبت علي استعمال الأدوية، وشعرت بعد أسبوع تقريباً أن هناك نوع من التحسن في "حدة الألم" وإن كان طفيفا للغاية.
انتابني شعور بالتفاؤل وقررت استمرار تناول الأدوية بانتظام ثم تكرارها لعشرة أيام أخري كما أوصي كل من جراح العظام وجراح الأعصاب.. ومع ذلك ظل الألم كما هو. صحيح أن حدته قلت بعض الشيء. وبنسبة قليلة للغاية. لكن الباقي منه كان كافياً أن يعكر مزاجي ويشعرني بنوع من عدم الاتزان ولا المقدرة علي التفكير ولا عمل أي شيء بما في ذلك حمل زجاجة ماء من المطبخ لغرفة نومي. وأسوأ ما في الأمر هو حالة الإكتئاب التي لصقت بي بحيث كان النوم هو العلاج والمسكن. لكن كيف أستطيع النوم دون استعمال ما يحذرني الأطباء منه "الأقراص المهدئة وحقن المورفين".
لا يستطيع أي فرد أن يتحدث - وهو يتألم - عما يشعر به من ألم بشكل دقيق، ولا أن يصفه بكلمات واضحة أو يصف تأثيره عليه. ربما أمكنه أن بتحدث عن كل ذلك وبشكل مقتضب بعدما يفيق من نوبات الألم التي تهاجمه. دعك من تأثير كل ذلك من وصف علي الزوار والأصدقاء. الكثير منهم لا يستطيع أن يشعر بما تكابده أو تتحمله. والأدهى أن ينصحك البعض – بجدية العارفين - بتناول قرص أسبرين وأخذ حمام ساخن ثم المشي قليلاً في الهواء الطلق. من أجل ذلك فلي مقولة بأنه لا يشعر بالألم إلا من يكابده.
هل ينقصنا - وبشكل جماعي - أن "نحس" "ونقدر" آلام الغير؟!. أعتقد ذلك. ولعل عكس ذلك كان أحد انطباعاتي في عدة حوادث كنت طرفاً فيها أو شاهداً عليها خلال زياراتي لأوربا. الفارق كبير للغاية بيننا وبينهم. كنت أشعر – هناك - أن مجرد أن يصرح إنساناً ما بأنه يتألم، وبغض النظر عن جنسيته وهل هو أحد مواطنين الدولة، أو مجرد زائر أو عابر أو مقيم أو تحت أي مسمي آخر، وبغض النظر – طبعاً – عن دينه أو مذهبه أو عرقه أو لون بشرته أو أي شيء آخر. مجرد التصريح - وليس التأوه والأنين والبكاء كما نفعل - يقلب الدنيا ولا يقعدها إلا بعد أن يريحون هذا الإنسان من نهش الألم لجسده ونفسه وروحه. وهم يستخدمون – وبكرم زائد – كل أنواع الرعاية الطبية وكل الوسائل المتاحة، ويسعون بجدية ومثابرة لعلاج وشفاء هذا الإنسان، فضلاً عن المعاملة الراقية والتحدث معه بأدب متناه إضافة لكثير من اللمسات الحانية ولعل هذا هو المهم.
أشعر أنني أثقلت عليكم وعلي أيضاً. أرجو المعذرة.
.
يتبع ...
.

هناك تعليقان (٢):

how to do يقول...

شكراااااا على مدونتك الرائعة

جديد المواقع يقول...

اشكرك على هذة المدونة الرائعة