السبت، ديسمبر ٠٦، ٢٠٠٨

تقمص الشخصية في المسلسلات التلفزيونية .. يحيي الفخراني

.
استسلمت – أخيرا - لقدري ولما هو مكتوب لي أو علي، واكتفيت بالرقاد أمام شاشة التلفاز أتابع العديد من المسلسلات الدرامية. والتي كانت لكثرتها وتكرار الكثير من الممثلين للعمل بمعظمها رد فعل سيئ عندي، لدرجة أنني كنت اكتفي بمشاهدة حلقة من مسلسل ما دون أن أجد رغبة أو متعة في مواصلة المشاهدة لحلقة أخري لمسلسل آخر. وكنت كثيرا أحدث زوجتي – رفيقتي – في المشاهدة والتعليق بأن الممثلين يقفزون بخفة ومهارة من مسلسل لآخر، لدرجة أن الأمر اختلط علي ولم أعد بقادر علي معرفة من يكون أبو من ومن هي الأم وما هو سر المشكلة إذا كانت هناك مشكلة أصلا. وكانت زوجتي تعالج الأمور وتوضحها لي بصبر ومهارة، وتقنعني بأنني أتحدث عن مسلسل آخر غير الذي نشاهده، بالرغم من وجود نفس الممثلين في كلاهما. علي كل لا أعتقد أن حالتي الصحية أو مزاجي قادران علي مساعدتي بالكتابة عن أفكار تلك المسلسلات، أو المقارنة بينهم أو اختيار مسلسل كأفضل ماتم عرضه. فالحقيقة أن مثل المقارنات هي للاستهلاك والإثارة، ولا بأس بها مادام هناك من يغذيها ومن يرحب بالتطوع بالإجابة، فعالم الفضائيات رحب وواسع وليس سهلاً أن تحجر علي أفكار أو طرق عمل تلك الفضائيات، حتى لتلك التي تبدو أكثر تخلفا وجهلا وسماجة في عرض موادها للمتفرج المسكين.
.
كان من ضمن المكاسب التي اعتقد أنني جنيتها من الرقاد أمام التلفاز ومشاهدة العديد من تلك المسلسلات والأفلام هو زيادة فهمي لموضوع تقمص الممثل للشخصية التي يلعب دورها. سأستعرض هنا بعض أسماء الممثلين الكبار وأتحدث عن طريقة فهمهم وتقمصهم. بطبيعة الحال القائمة طويلة إلا أنني سأكتفي بالحديث عن: يحيي الفخراني ونور الشريف وعادل إمام. وربما تذكرت غيرهم لأكتب عنهم في وقت لاحق.
.
يحيي الفخراني ممثل قدير ومحبوب من جماهير المشاهدين، ولديه قبول قوي وحضور رائع لدرجة أن جزء كبير من نجاح أي عمل يكون مشاركا فيه ينسب له. وهو كممثل يستطيع بإجادة وبساطة أن يلعب أي دور يسند إليه. وما يهمني في الحديث عن يحيي هو قدرته الفائقة والرائعة علي تجنيد وتسخير حجمه الضخم وكتلته الكبيرة التي تبدو غير متسقة، وغير جميلة بالمرة. فهي كتلة مملوءة بالشحوم وليس هناك أي تناسق في خطوط جسده، للحد الذي أتخيل أن صاحب مثل هذا الجسد المترهل يجد صعوبة بالغة في الحياة في التأثير والإقناع وكسب الود من الباقين، فما بالك ويحيي يجني كل ذلك من المتلقي وهو يؤدي ببساطة وتلقائية، ودون أدني حرج منه في إخفاء تضاريس جسده المترهل. بل العكس فإحساسي أنه يتعمد أظهار ذلك وتسخيره (الحجم والكتلة) وهو يتقمص الشخصية التي يمثلها.

شاهدت للفخراني مؤخرا عدد من المسلسلات الجميلة منها: الليل واَخره، ويتربى في عزه، ونصف ربيع الآخر. في الليل واَخره يلعب الفخراني دور الصعيدي التاجر الثري والشقيق الأكبر للعديد من الأشقاء الذين أكملوا تعليمهم وحازوا المناصب الرفيعة ليصبحوا نجوما في المجتمع. والمسلسل يتحدث عن الخلافات التي تنشأ بين هذا النموذج وأخوته. وربما كان التعميم مفيدا ولعل ذلك أحد حسنات هذا المسلسل فمثل هذا النموذج يعيش وسطنا، وهم كثرة وقد لا نشعر بهم إلا في حالة حدوث مشاكل جسيمة وخلافات في الرؤي معهم. وفيما كان أخوته يغيرون ملابسهم - خلال مشاهد المسلسل - ببذلات أنيقة لم يفارق جسد الفخراني الجلباب الصعيدي والكوفية. وهو زي علي بساطته يشكل الزى الشعبي الصعيدي. والحق أنه كان متمشيا مع جسده الضخم بحيث أن هذا الجسد أضاف الكثير من المهابة والأناقة والإقناع وهو يرتدي ذلك الزى البسيط. بطبيعة الحال أجاد الفخراني في الحديث باللهجة الصعيدية وأتقنها، كما أتقن في البوح بمشاعره الداخلية التي كان يفجرها بين الحين والآخر وهو يستجير طالبا العدل والرحمة وأن تتفهم عائلته مشاعره واحتياجاته.

لا يمكن أن يعد الفخراني ممثلا جميلا، فإضافة للحجم الكبير وكتل اللحم، والشحوم الهائلة التي تغطي جسده، فوجهه ليس جميلا بالمرة بمقاييس جمال الرجال بطبيعة الحال. فهو يملك أنفا ضخما للغاية لا أعتقد أن له مثيلا بكل مصر، كما أنه لا يهتم علي الإطلاق بتسريحة شعره أو محاولة عمل "نيو لوك" لهذا الوجه الضخم. لكن المؤكد أنه أيضا يملك وجها ليس دميما، بل هو وجه معبر وصافي القسمات، ويستطيع أن يعبر بهذا الوجه خاصة صفاء العينان ونغمة صوته المميزة للكثير من الانفعالات الإنسانية بدرجاتها وأنواعها المتباينة.

وربما هي سمة للفخراني بأنه لا يعتمد علي الماكياج في تغيير الخطوط العامة لشكله أو مظهره الخارجي. وأنه ولذكائه الشديد ولحسه الفني الراقي وفهمه لطبيعة الشخصية التي يتقمصها كسب كل تلك "الفوضى" الجسدية وحتى شكل وجهه ذو الأنف الضخم، كسبه أيضا في مد جسر من القبول والحب والإقناع بينه أو بين الشخصية التي يلعبها وبين المتلقي.

في مسلسل " يتربي في عزه " لعب الفخراني دور الابن الأكبر الثري والمدلل للغاية كإبن وحيد " لماما نونه " والتي قامت بتأدية دورها الممثلة القديرة كريمة مختار. في هذا المسلسل نجح الفخراني أن ينقل إلي المتفرج سخافة دلع الابن الأكبر، فما بالك وإذا كان هذا الابن تجاوز الستين وله عدة تجارب فاشلة في الزواج، والعديد من الأولاد أكبرهم ضابط شرطه صارم الطباع وأصغرهم شاب التحق حديثا بركب الإرهاب. تركيبة صعبة ومزعجة رغم أن خيوط الأحداث في المسلسل كانت تنساب بهدوء وعقلانية وبشكل إنساني جميل. .
لا يحاول الفخراني المبالغة في تأدية أدواره، ففي ذلك المسلسل اكتفي باظهار الشخصية من الخارج في تعاملاتها مع الآخرين، وبملابس تناسب تلك الشخصية "تي شيرتات واسعة وبنطلونات جينز"، والتحرك بخفة ومهارة شاب في العشرين. ورغم كل المعوقات الجسدية التي تحدثت عنها، فالفهم السليم للشخصية مكنه من قيادتها ببراعة ويسر، وأيضا أن يخرج لنا أيضا بعضا من أسرارها الدفينة الداخلية، كموقفه عند موت أمه في ذلك المسلسل. وهو بهذا ينجح في التقمص حتى لو كان من الخارج في أن يقود الشخصية بإيجابية وبراعة ومهارة وحرفية عالية. وبالرغم من سلبية الشخصية فقد تعاطف معها الجمهور. لسبب وحيد أن الفخراني هو الذي أدي تلك الشخصية، بحيث لم يفقد حب وتعاطف المتلقي – كالعادة - وكما يحدث مع أي شخصية أخري يؤديها.
.
الفخراني أستاذ محترف في التقمص " من الخارج " ووسائله كثيرة تبدأ بفهمه لطبيعة الشخصية ثم تكييف إمكانياته الجسدية لإظهار ملامح تلك الشخصية ثم الاستعانة بحرفيته العالية في "الحوار والحركة والنطق". وأخيرا الاهتمام الكبير بنوع الملابس والتي غالبا لا تزيد عن ملابس بسيطة للغاية، لكنها تؤدي دورها في قبولنا لحركة تلك الكتلة الكبيرة من العاطفة المتدفقة والوهج الخلاق .
.

ليست هناك تعليقات: