الخميس، ديسمبر ١٨، ٢٠٠٨

2 - قباقيب الجواري وحذاء الزيدي .. " تكملة "

اعتقد أن هناك الكثير أيضا من الجوانب والموروثات التي لا بد وأن نؤشر عليها عند اعتراضنا وعدم قبولنا للنضال بالأحذية والقباقيب. فلا يمكن أن نركز فقط علي الجانب الأخلاقي لمهنة الصحفي والتي تحكم تصرفاته وتجعل من قلمه – وليس من حذائه - الأداة الفاعلة للتعبير وممارسة دوره في الحوار وتبادل الآراء.
.
دعنا نتخيل صورة عبثية لشكل حوار داخل أحد البرلمانات، وذلك بالتراشق بالأحذية وصولا لضرب الأعضاء بعضهم البعض، وحتى نفاذ الذخيرة وأعني الأحذية. فيمكنهم حينئذ من استخدام أحزمة بنطلوناتهم في استكمال الحوار والوصول إلي قرارات تصب في خدمة الوطن والمواطن. وبالتأكيد ستجد لافتة رئيسية عند مدخل القاعة وبها البنود المنظمة "للحوار الديمقراطي". أولها يحرم استخدام أي نوع آخر من الأسلحة عدا الحذاء والحزام. وبالبند الثاني اشتراطات لنوع الحذاء ومقاسه، والتأكيد بعدم وضع أية زوائد حديدية أو حتى بلاستكية خاصة بمقدمة الحذاء. والبند الثالث يحرم ويجرم استخدام الجزء العلوي من الحزام لأسباب يعلمها الجميع. أما البند الرابع فيطلب من الأعضاء "الموقرين" وبأدب جم الخضوع للتفتيش للاطمئنان علي مراعاة العضو لكل ذلك.
.
الصورة عبثية بالفعل وقاتمة، لكنها الأقرب للفهم والتطبيق لواقع الحوار بيننا وكأحد الدروس المستفادة من واقعة حذاء الزيدي.فحين لا يتمكن الآخر من قبولي أو أتمكن من قبوله بالحوار وممارسة الديمقراطية الحقيقية، فالحذاء والحزام و.. وما يتبع ذلك من تبادل للشتائم والألفاظ المعبرة هو البديل الشرعي والمنطقي.
هناك إصرار عجيب وغريب من بعض الكتاب المؤيدين لرشقة الحذاء علي وضع فهمنا للمسألة في كفة، ووضع حذاء الزيدي في الكفة الأخرى. ثم أن لديهم الإصرار علي اليقين بأن كفة الحذاء هي الراجحة والغالبة وهي المعبرة في مقام الزهو والانتصار، وصولا لمقام إذلال "العدو" فهي الناجعة والموجعة عملا وفعلا وتأثيرا في مواجهة قوي الشر والظلام.!!
.
والملاحظ أن معظم الكتاب المؤيدين - للضرب بالحذاء أو لرشقة الحذاء أو للحوار عموما بالأحذية - يفترضون افتراضات هي في معظمها خاطئ، ومع ذلك فهم يبنون ما بقي من تفكيرهم علي تلك الافتراضات. وبديهي أن مايصلون إليه من نتائج هو في مجمله خاطئ أيضا – لفساد المقدمات – حتى لو كانت تلك النتائج تمثل اتهامات من وزن العيار الثقيل المصحوب بشتائم مثل "الخيانة وعدم الوطنية". وهي اتهامات لو صدقت لكان مكاننا الآن داخل قفص حديدي بأحد قاعات محاكم الجنايات بتهمة تدنيس الحذاء المقدس.
.
ومع أنني أكدت أنني لست مؤيدا للسياسة الأمريكية بالمنطقة برمتها، فهم يرون أننا - الرافضين للحوار بالأحذية والقباقيب – نستغل ذلك الموقف لتجميل الوجه القبيح وتلميع صورة بوش، فيما يري آخرون أنه موقف مغرض يهدف للدفاع عن التواجد الأمريكي بل والسياسة الأمريكية برمتها.
.
ويري الكثيرون أيضا أننا غفلنا عن ذكر الدافع الحقيقي لرشفة الحذاء. وهم يعنون الاحتلال الأمريكي للعراق وما خلفه من دمار وقتل للأبرياء، فيما يستغرب البعض اتهامنا لمثل هذا التصرف بعدم التحضر وعدم اللامبالاة وسوء الفهم وتقدير الأمور، وهي أمور جميعها تنطبق علي فعل غزو الأراضي العراقية واحتلالها.
وبتقديري أن مثل هذا الاتهام هو نوع من خلط الأوراق المتعمد. ولا يهدف حقيقة إلا لاستنفار الحناجر بالهتافات العالية واللعنات الساخنة لكل من يخالفهم الرأي والرؤية. فلا علاقة بالمرة بين الجهاد ضد الأمريكان أو غيرهم بالتراشق بالأحذية أو حتى "الردح" بصوت عال. كما وأن أبواب الجهاد الحقيقية مفتوحة ومعروفة للجميع، ولا أعتقد أن من بينها باب كتب عليه " لا يعبره إلا من يلبس حذائه بقدمه وينوي الجهاد به."
.
وفيما أعلم – وقد أكون مخطئا – أننا لسنا بحاجة لإذلال أيا من كان حتى لو كان عدوي. فالإذلال وفيما أعلم لا يندرج بقائمة وسائل مقاومة المحتل. بل أن أدبيات كثيرة للمقاومة تتيح لنا قدرا معقولا من الفهم بأننا كلما وضعنا عدونا في مكانه وحجمه السليم كلما استفدنا أكثر بمعرفة خباياه ونقاط ضعفه. الإذلال عمل غير إنساني وغير متحضر سواء كان من بوش وعساكره أو صدام وأشاوسه أو الزيدي وحذاءه إن كان يهدف لذلك حقيقة.!!
.

ليست هناك تعليقات: