الأربعاء، يونيو ٢٠، ٢٠٠٧

11 - حكايات الأغاني .. " رق الحبيب "

.
11 - رق الحبيب ( منولوج ) . أحمد رامي - القصبجي - أم كلثوم ...

نحن أمام عمل فني رائع أحب ان أستمتع بكل جزء فيه سواء من الكلمات العذبة أو الموسيقي الجميلة أو الأداء الراقي للسيدة أم كلثوم .أرجو أن تشاركونني متعة تذوق الكلمة واللحن والأداء.
اللحن رائع وسبق عصره بكثير وواضح تأثير الفهم الذكي والتذوق الراقي للموسيقي الغربية. استخدم القصبجي كل براعته ليقدم لحنا أقرب لألحان الأوبرا واستطاع أن يمزج بين صوت أم كلثوم واللحن في بناء فني محكم وعالي الحرفية والجمال.
لا اعتقد أن لدي ما يكفي من كلمات يمكنها أن تعبر عن رقة وعذوبة مشاعر الكاتب وثراء أحاسيسه. الأغنية مكتوبة علي شكل منولوج ويعني انه نوع من الحوار الداخلي للكاتب. وهو شكل من الأشكال الفنية الجميلة خاصة حين تطوع كلماتها للغناء. والأغنية بأكملها تعد رحلة خوف وترقب لليلة بأكملها يقضيها الشاعر وحتي قرب معد لقاء الحبيب . خوف يتصاعد ويزداد، بل وأزعم أنه يتوالد أيضا من خيالات الشاعر ويتكرر علي شكل دائرة مغلقة بإحكام حول خوف الشاعر وتوتره وترقبه وتفكيره المتواصل وحتي هجره لأحبته. دعونا نري الي أين يقودنا الشاعر بتلك المخاوف من لحظة لقاء الحبيب.
.
رق الحبيب وواعدني يوم
وكان له مده غايب عني
حرمت عيني من النوم
لاجل النهار مايطمني
.
تبدأ الكلمات بكلمة (رق) والكلمة لم تستخدم – في حدود علمي – في أية أغاني سابقة لأغنية رق الحبيب. وتأثير الكلمة كاف لتوحي بمدي الحب وعمقه في قلب حبيب وعاشق رق قلب حبيبه عليه وواعده – بعد غياب - علي اللقاء. فراح يحاور نفسه واصفا ليلته التي تسبق اللقاء والمخاوف التي تنتابه، حتى انه حرم عينيه من النوم هذه الليلة منتظرا نهار اللقاء الذي يأمل أن يأتيه بالاطمئنان. مشاعر عاشق صادقة ينتظر طلوع النهار (لاجل) أن يشعر بالاطمئنان النفسي والاتزان الروحي بعد ليلة طويلة قضاها ساهرا يناجي فيها خيال الحبيب.

صعب علي أنام
أحسن أشوف في المنام
غير اللي يتمناه قلبي
سهرت أستناه
واسمع كلامي معاه
وأشوف خياله قاعد جنبي.

ويبدو أن لديه أسباب أخري – لعدم النوم - فهو يخاف أن يحلم بأي شئ آخر غير الحبيب الذي يتمناه قلبه. وأحس انه صادق في كلامه لأنه يقرر سببا وجيها للخوف. فقد يري غير ما يود القلب والروح، وإن كان لم يحدد من هي (الأخرى) التي يخاف من رؤياها بالحلم بدلا من الحبيبة التي يتمني ويتلهف لرؤيتها. فضل السهر لأنه يتيح له انتظارها وتذكرها بل والاستماع لكلماته وهو يتحدث معها، ولم لا فقد تجسد خيال الحبيبة جالسا بجواره وكأنها تبادله الكلام. والصورة لا يمكن أن تكون وليدة ( هلاوس عاشق ومحب ) بقدر ما هي تدلل علي براعة رامي في الانتقال من حالة خوف العاشق وقراره بعدم النوم، بالتحدث مع المحبوبة وتحويل ذلك لشكل واقعي حيث تتجسد الحبيبة جالسة بجواره تبادله الحديث والكلام.

من كتر شوقي سبقت عمري
وشفت بكره والوقت بدري
وايه يفيد الزمن مع اللي عاش في الخيال
واللي في قلبه سكن أنعم عليه بالوصال

أعذروا المحب – في ليلة لقاء الحبيب - فحساب الزمن عنده من نوع آخر. فهو يري أن شوقه الكبير لرؤية حبيبه قد جعله يسبق عمره، لكن ليس بالكثير من حساب الزمن. سبق عمره لمجرد مجئ الغد (موعد اللقاء) وما يمكن أن يراه في الغد. وهو يستدرك فيعترف أن الزمن لا يفيد من يعيش في الخيال، وهواجس الخوف من لقاء الحبيب والخوف من فقدانه بل والتمتع بالحبيب بكلامه وحتي بلقائه الجسدي. وكلها متع قد لا يجدها فوق أرض الواقع. بل أنه يري أن من يسكن بقلبه كل تلك الخيالات فقلبه ينعم بالوصال والتلاقي مع الحبيب.

طلع عيه النهار سهران في نور الأمل
وغنت الأطيار لحن الهوي والغزل
وفضلت افكر في ميعادي واحسب لقربه الف حساب .

طلع النهار أخيرا بعد كل تلك المناجاة الرائعة والعفيفة بينه وبين نفسه واكتشف انه لايزال يحيا في نور الأمل – كم هو جميل هذا التعبير – حتي انه سمع الطيور تتغني للحب لكنه كان لايزال مهموما بالتفكير في قرب الميعاد.
.
وكان كلامي مع اصحابي عن المحبه والأحباب
من فرحتي بدي اتكلم واقول حبيبي مواعدني
لكن أخاف ليكون بينهم مظلوم في حبه يحسدني
هجرت كل خليل لي وفضلت عايش مع روحي
يمكن يبان شيئ في عنيه من كتر خوفي علي روحي

لحظات من المتعة الخالصة لمجرد أن ميعاد الحبيب قد اقترب فهو يهنئ فؤاده لقرب وصاله بالحبيب وهو بهذا الاقتراب من لقاء حبيبه قد جني كل ما يهوي في دنياه. ربما ما تحمله القلوب من متعة قبل اللقاء يكون أكثر بكثير من اللقاء ذاته.!! الفكر يحتار والقرب قد يكون سببا – مضافا – للعذاب.!!
.
ولما قرب ميعاد حبيبي ورحت أقابله
هنيت فؤادي علي نصيبي من قرب وصله
ولقيتني طايل من الدنيا كل اللي أهواه
بس اللي كان فاضل ليه أسعد بلقاه
لما خطر ده علي فكري حير أمري
والقرب سبب تعذيبي
ولقيتني خايف علي عمري ليروح مني
من غير ما شوف حسن حبيبي
.
ولعلك تلاحظ معي أن رامي استخدم كلمات بسيطة للغاية ولم يحاول أن يقحم أية كلمة غريبة أو صعبة التداول ونجح باقتدار ان يجعل المستمع يعيش معه في حواره الداخلي برسم صورة جميلة بمفردات بسيطة لحيرة عاشق وخوفه ولهفته ليلة لقاء حبيبته وحتى قرب موعده لقاؤها.!!

ورغم إن الأغنية بأكملها جميلة وتعد نموذجا للأغنية الشرقية التي تغني بلحن يسبق عصره بكثير من السنين إلا أن المقطع الأخير يعد من أجمل ماغنت أم كلثوم. استمع إلي نبرة الخوف المغلف بالتفاؤل والفرحة في الأداء والموسيقي في جملة "ولما قرب ميعاد حبيبي" ثم التحليق مع صوت أم كلثوم في "لقيتني طايل من الدنيا كل اللي أهواه " ثم الهبوط ثانية حيث مشاعر الخوف والقلق في "لما خطر ده علي فكري حير أمري" إلي آخر الكلمات.
أغنية جميلة ومعبرة. أرجو أن تعجبكم.
.
.
.

ليست هناك تعليقات: