الجمعة، أغسطس ٢٩، ٢٠٠٨

10 - ماذا تريد إيران ؟!


كان لطول الفترة التي عشتها بالعراق أثر كبير في فهم التفكير الإيراني بشكل عام، والسياسة الإيرانية بشكل خاص تجاه العرب سواء أيام حكم الشاه أو تلك الأيام التي يسيطر فيها الملالي علي مقادير الحكم والثروة بإيران.
وفي كل الأحوال فإن تلك السياسة تهدف دوماً للهيمنة والسيطرة علي حساب الأراضي والمصالح العربية، تحت مسميات وتبريرات غريبة وسخيفة وعبر وسائل أشد سماجة لعل أخرها ما عرف باسم "شعار تصدير الثورة الإسلامية" أو النموذج الإيراني إلي البلاد العربية.
وعموماً فصيغة التعالي والطمع تجاه كل ما هو عربي هما أبرز مايميز تصرفات الساسة الإيرانيين سواء أيام الشاه أو تلك الأيام. ولا أستطيع أن أصدق أن إيران - رغم عباءة الدين وحكم الملالي - ليس لها مطامع في الكعكة العربية، ويبدو أنهم محكومون في تصرفاتهم بأفكار غريبة ورجعية تـمليها عليهم القراءة الخاطئة للتاريخ، خاصة فترات التداخل الحضاري أثناء الفتح الإسلامي، ونتيجة لانتصاره علي الحضارة الفارسية، وهي نفس الأفكار التي كانت تملي علي الشاه السابق تصرفاته تجاه العرب.

باعتقادى أن المشكلة (الإيرانية – العربية) لم تتغير برحيل الشاة، ونظام حكمه القمعي والبوليسي، ومجئ الملالي وتمسحهم بعباءة الدين، بل ربما يكون من الأصوب أن نقول أن كمية المشاكل قد زادت وأنهم قد استطاعوا إضافة العديد من المشاكل داخل البلاد العربية .كان الملف طوال حكم الشاه يحتوي علي مشكلتين، شط العرب مع العراق، ومشكلة الجزر المحتلة مع الإمارات.

ومع تطلعات الشاه للقوة والسيطرة كان يلجأ علي الدوام لإلهاء العراق عن مشكلته ( شط العرب ) بتمويله للقلاقل وحوادث الاغتيالات والأخطر من ذلك بتحالفاته المشبوهة مع الأكراد في شمال العراق وإشعال فتيل الحرب بين الأكراد والعراقيين ، حتى لا يهنأ العراق لفترة راحة طويلة يلتقط فيها الأنفاس .
ووفق الحسابات الخاطئة للحكومة العراقية فقد قبلوا باتفاقية الجزائر 1974 التي تنص علي اقتسام المجري المائي ( شط العرب) مناصفة مع إيران. ورغم أن هذا الاتفاق مجحف لأنه ببساطة شديدة يمكن الإيرانيون من تملك نصف هذا المجرى الذي هو بحكم التاريخ والجغرافيا يقع داخل الحدود العراقية .
ولأن روح تلك الاتفاقية لاتمثل سوي النفعية والانتهازية لكل من الحكام في بغداد وطهران، فقد سحب الشاه كل مساعداته للأكراد وتركهم يواجهون بمفردهم جيش صدام القادم من بغداد. وبطبيعة الحال فقد انتهت علي الفور حرب الشمال، وكسب كل حاكم ماكان يطمع فيه من الآخر .
وربما كان تفكير صدام في هذا الوقت أنه وبعد أن يرتاح جيشه من الحرب مع الأكراد فسيتمكن – حينئذ - من إلغاء تلك الاتفاقية، ولو تطلب الأمر الدخول في حرب مع إيران شريطة أن يكون الوقت ملائماً. وهذا ماحدث بالفعل.
وعلي كل فهذا موضوع آخر أود الكتابة فيه. وكيف أن حسابات صدام الخاطئة توصله دوماً لسهولة اتخاذ قرار الحرب دون غيره من البدائل العديدة التي كانت متاحة أمامه. وكيف أنه أعد قطاع كبير من شعبه بنفس الأسلوب بحيث أصبحت العصبية التي تصل لحد الحماقة هو الأسلوب المميز لها القطاع.

لنعد لإيران ولنر ماذا يريد حكامها بالضبط .
كان نجاح الثورة الإيرانية وما تلي ذلك من تربع الخميني ومساعدوه من طبقة الملالي الشيعة، أشبه بفيلم – أمريكي - هائل جندت له كافة الامكانات البشرية والمالية والتقنية أيضاً من أجل حبكه بشكل لا مثيل له، ووفق زيادة جرعات الإثارة والتشويق. وليس بالإمكان وأنت تستعرض سيناريو الأحداث التي سبقت هروب الشاه من إيران وقدوم الخميني وبطانته بطائرة خاصة من باريس، ودخوله طهران منتصراً إلا أن يعتريك الشك في المساعدات القيمة - لإنجاح تلك الثورة - التي قدمت من الحكومات الغربية، وأجهزة الاستخبارات وفي المقدمة وكالة المخابرات المركزية.

إن الدرس البليغ الذي يجب أن يعيه الطغاة من حكام العالم الثالث هو أن أمريكا ليست دوماً علي استعداد لحمايتهم والمحافظة علي كراسيهم أو حتى حياتهم، إذا تعارض ذلك مع مصالحها.
.
القاهرة. صيف1995
- يتبع -

ليست هناك تعليقات: