السبت، أغسطس ٣٠، ٢٠٠٨

10 - حكايات مسافر .."ماذا تريد إيران؟!" ( تكملة )


ويبدو أن صناع القرار في أمريكا لايتركون شيئاً للصدفة، فهم يفكرون بشكل نفعي – وهذا حقهم - فيما يخدم المصالح الأمريكية. ولعلهم رأوا أن الأمور في إيران تسير للأسوأ مع وجود نظام الشاة، فلماذا لا يتم التعاون والمساعدة للنظام المقبول من الشعب والمرشح للحكم. ولعل ذلك يعطى تفسيراً لاحتضان أمريكا والعديد من الدول التي تدور في فلكها لزعماء التطرف ورموزهم في المنطقة العربية خاصة مصر.
.
فهم - الأمريكان - يعتقدون أن التطرف الإسلامي هو الوريث الشرعي للحكم في المنطقة. وبحجة الحوار والفهم لهذا التيار المعارض يتم تجميع تلك العناصر المتطرفة ومساندتهم ومنحهم حق اللجوء السياسي فى العديد من الدول الأوربية، والسماح لهم بجمع الأموال وممارسة الأنشطة السياسية المعارضة لدولهم وتمويل عمليات الإرهاب.برأيي أن العيب ليس في أمريكا بقدر ماهو في الأنظمة الفاسدة التي تتوهم أن أمريكا يمكنها حمايتهم إلي الأبد.
.
وبمجئ الخميني ارتفعت صرخات الثوار الشيعة بنشوة النصر والنجاح، وبدا لهم أن الطريق ممهداً لنجاح الحلم الفارسي. مستغلين تعاطف الشعوب العربية معهم، والفرحة الغامرة لنجاح أول ثورة ترفع راية الإسلام، والأمل في تبنى سياسة قائمة علي التعاون والفهم السليم للمشاكل المعلقة . ومستغلين أسوأ مافي العرب، وهو حالة التشرذم، وعدم وجود الحد الأدنى من الاتفاق الذي يمكنهم من الوقوف بصلابة. وقد ساعدهم أيضا وجود حالة من السخط الشعبي لفساد الأنظمة الحاكمة العربية مقابل تبني الإيرانيون للشعارات الدينية المطلقة عن العدالة وحقوق المستضعفين. وأسوأ ما في الأمر أنهم استغلوا النعرة الطائفية باعتبار الشيعة في الأقطار العربية هم أقرب إليهم من باقي المسلمين. ويمكن القول أن أسلوبهم كان بعيداً عن الفهم الصحيح للدين الإسلامي، وأنهم تحركانهم كانت سياسية في المقام الأول، مع استغلالهم للشعارات الدينية بشكل سيئ ومغلوط، وبالشكل الذي يجلب الفتنة والخراب.
.
ومع أن الغوص في قضية الشيعة والسنة لن يجلب سوي المزيد من التعقيدات، غير أن المرء يصاب بالدهشة وهو يطالع كتب التراث الشيعي، وما تبثه من كراهية وأحقاد بالنفوس تجاه الخلفاء الراشدين ( عدا علي رضي الله عنه ). بالإضافة للكراهية المستحكمة لأئمة المسلمين السنة، بحيث أصبحت كل تلك الكراهية من الموروثات والتي تشكل وجدان الشخص الشيعي العادي. شئ لا يصدق وغير مبرر ويبدو أن له جذوره السياسية ومنذ القدم.
.
بداخل أحد الطائرات العراقية المتوجهة من القاهرة إلي بغداد، وبينما كانت الحرب العراقية الإيرانية مشتعلة تأكل الأخضر واليابس في كلا البلدين، تقابلت مع مواطن باكستاني شيعي كان ضمن مجموعة باكستانية كبيرة تقوم بزيارة الأماكن الدينية بالقاهرة. وكانوا في طريقهم لبغداد لاستكمال زياراتهم للأماكن الدينية بمدينتي كربلاء والنجف. سألته عن رأيه بتلك الحرب. هب واقفاً في ممر الطائرة وكأنه ينتظر مثل هذا السؤال، وبعربية هزيلة ومضحكة وبشكل استعراضي تحدث بصوت عال، مردداً حديثاً نبوياً يفيد بظهور العديد من الفرق المسلمة والتي لامفر من أن تقاتل بعضها البعض حتى تكون الغلبة لأحد الفرق.
- أشك في صحة هذا الحديث ، فيكفي أن نكون مسلمين حتى لا نؤذي بعضنا بعضاً وتلك كانت ضمن وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم لنا.
- لا، الحديث صحيح ولابد من القتال. ذلك شئ حتمي.
.
لم تكن هناك - إذن - أية بادرة للحل مع النظام الجديد بل علي العكس راحت الصرخات تتعالي بتصدير الثورة إلي البلاد العربية، وبالتهديد والوعيد لبلاد الجوار الضعيفة. وهم يعنون أن نموذج الثورة الإيرانية الشيعية هو النموذج الأمثل لتلك البلاد العربية المسلمة، ويأملون دون كلل أن يكون نموذجاً قائداً لتلك الدول وتابعا مخلصاً وأميناً لفكر وتوجهات الملالي.
.
وبشكل عملي، فقد نشطوا في تشجيع وتمويل التنظميات التي تؤمن بالعنف والسلاح، وتقوية الأقلية الشيعية في دول الخليج العربي، وتشجيعهم لإعلان التمرد والعصيان، وممارسة أساليب العنف والتخريب. كانت البداية مع العراق وقد مورس كل ذلك هناك، وأصبح انفجار القنابل وحوادث الاغتيالات، شيئاً مألوفاً. ولعل أبشع حادثة كانت إلقاء القنابل علي طلبة الجامعة المستنصرية، الذين كانوا يشيعون بعضا من زملائهم القتلى في انفجار سابق!!
وبالتدريج اتسعت الدائرة لتصل إلي السعودية حيث تم تدريب الحجيج الإيراني لعمل مظاهرات عدائية، وحمل صور الخميني، وماتلي ذلك من أحداث دموية هناك. وتتسع الدائرة لتصل إلي البحرين والسودان والجزائر واليمن ومصر. ويظل القاسم المشترك للحركات الإسلامية بكل تلك البلاد هو ظهور تيارات دينية تتبني أسلوب العنف والتطرف والاغتيالات.
.
إنني وبضمير مستريح علي يقين ووعي كاملين بأن الأصابع الإيرانية والإسرائيلية أيضاً هما المحركتان لتلك التيارات المتطرفة، والتي هي أشبه بالدوامة الهوجاء التي سرعان ماتنقشع ليعود الصفاء ثانية، ذلك أن تلك التيارات المتطرفة ضد منطق البناء والتقدم بل هي ضد الدين ذاته. وليس لأحد من مصلحة فيما يحدث – وفق المعلن من سياستهما - سوي طرفين هما علي وجه التحديد إيران وإسرائيل.

ونظراً لتعامل نظام صدام بكل العنف والقسوة والبطش لكل الخلايا والمنظمات التي تتلقي الدعم والتوجيه من إيران، والتي كانت تنتمي بالفكر لإيران أو التي تسببت في حوادث الاغتيالات والإنفجارات، حيث توعدهم صدام بتصفيتهم من الجذور!!. ليضع حداً لفشل عملية التصدير بشكلها المباشر إلي العراق.
والغريب أنهم استغلوا قضية فلسطين في مشروع التصدير فظهر شعار آخر وغريب وهو أن الطريق للقدس يمر بكربلاء وفي وقت آخر أصبح يمر ببغداد. ولعل وقع هذا الشعار هو ما جعل رجال صدام يستخدمونه أثناء حرب الكويت بأن الطريق إلي القدس يمر بالكويت.!!
.
ونموذج الحكم الإيراني يعد أحد النماذج السيئة السمعة لتسلطه وكبته لحرية شعبه. ولم يعد هناك فارق جوهري بين أسلوب الحكم أيام الشاة وبين حكم الملالي. وإذا كان الشاة معتمداً لتأمين نظامه علي التحالف بين مؤسسات الأمن والمخابرات وجنرالات الجيش، فقد بسط الملالي سيطرتهم وأحكموا قبضتهم علي جميع تلك المؤسسات العسكرية وأضافوا لها مؤسسة أخري تهيمن وتوجه وتتصدر الأحداث. بحيث أصبح ما يسمى بالحرس الثوري مؤسسة ضخمة تؤمن وتمول كافة الأنشطة، ابتداء من المحافظة علي نظام الحكم بالداخل، إلي تمويل عمليات الإرهاب والاغتيالات بالخارج بالإشراف الفعلي عليها بما في ذلك عمليات التدريب للمخربين والقتلة في بعض البلاد العربية والتواجد الفعلي للمشاركة في خلق حالة من القلق المتواصل. وأصبح بديهيا أن يندرج تحت عباءة تلك المؤسسة كافة أنشطة الشرطة والجيش والمخابرات.

وبخلاف ذلك، فلا أعتقد أن هناك أمل في التغيير يمكن أن يأتي بشكل ديمقراطي وسلمي، حتى مع مجئ رئيساً للدولة من جناح الآيات المعتدل. فلا يزال هناك مجلساً للوصاية، ومجلسا خاصا بالمحافظة علي النظام من أي قرارات خاطئة تصدر عن الرئيس المنتخب. ويمكن عبر أياً من تلك المجالس إجهاض أي محاولة للتغيير قد تأتي. ثم هناك مرشداً عاماً للثورة – أقوي رجل في هرم السلطة - والذي يستطيع أن يلغي أو يعدل أو يصدر أي قرار مخالف لتوجهات "الرئيس المعتدل" أو لمجلس حفظ النظام أو مجلس الوصاية أو حتى للبرلمان.
.
القاهرة . صيف 1995

ليست هناك تعليقات: